JavaScript is not enabled!...Please enable javascript in your browser

جافا سكريبت غير ممكن! ... الرجاء تفعيل الجافا سكريبت في متصفحك.

التوعية الوطنية من خلال جريدة الشهاب 1

1 - التوعية الدينية



أ – محاربة الطرقية

بدأ التصوف[1] في الجزائر تصوفا نظريا، ثم تحول ابتداء من القرن العاشر الهجري، واتجه إلى الناحية العملية، وأصبح يطلق عليه "تصوف الزوايا والطرق الصوفية"، ووجد لأول مرة في بلاد القبائل ببجاية والمناطق المحيطة بها، وكانت المنطقة مركز إشعاع طرقي صوفي لعدة قرون من الزمن[2]، ثم انتشر في أنحاء بلاد الجزائر وانتشرت معه البدع والخرافات، وقد بلغ عدد الزوايا الصوفية حوالي 350 زاوية يتبعها نحو 350 ألف مريد، وانتشرت طرق مثل "القادرية[3]" و"الرحمانية"[4] و"التيجانية"[5] وغيرها[6].

وكان لكثير من هذه الطرق الفضل في مقاومة الاحتلال الفرنسي منذ قدومه، وفي مقدمتها القادرية التي كان ينتمي إليها "الأمير خالد" و"الرحمانية" و"الدرقاوية"، كلها أحزاب ظهرت بالريف لا في المدن، وكلها أحزاب تجاوزت في برنامجها الدين إلى السياسة[7]، وقد استطاع الاحتلال أن يوثق صلته ببعض الطرق وشيوخها، ويكسبه إلى جانبه، وتصدرت فتاوى منهم بأن وجود الاحتلال هو من باب "القضاء والقدر" الذي ينبغي التسليم به وطاعة سلطة فرنسا هي طاعة لولي الأمر؛ حيث أيد بعض زعماء الطرق فرنسا في الحرب العالمية والوقوف معها بالنفس والنفيس، فأصبحت بعض الطرق الصوفية من أدوات الاستعمار لإخضاع الشعب الجزائري واستغلاله باسم الإسلام وتشتت جمعهم، وشرعت لهم ما لا يرضي الله ورسوله – صلى الله عليه وسلم[8] - كزيارة الأضرحة والقبور والقباب، والذبح عندها وشد الرحال إليها، والاعتقاد بقدرة الأولياء المدفونين على التصرف في العالم وقضاء الحاجات، وإقامة الولائم باسمهم[9]، حتى باعدوا بين الأمة الإسلامية وبين قرآنها، ومكنوا فيها خلق الخوف منهم، والرجاء فيهم، والطاعة والخضوع لهم، وأصبحت مقاليد العامة والدهماء – وهم معظم الأمة المحمدية – بأيديهم.[10]

حيث قال عنها أحمد المدني: «هذه الانحرافات العقائدية التي أحدثتها الطرق الصوفية المنحرفة، وروجت لها في أوساط الشعب الجزائري، وثنية جديدة، وآل أمر الكثير من هذه الزوايا والطرق إلى إحداث وثنية في الإسلام ما أنزل الله بها من سلطان، وأصبح شيخ الطريقة أو المرابط في كثير من النواحي يتصف بأوصاف الربوبية، فهو الذي يعطي ويمنع، ويقبض ويبسط، وهو منبع كل خير ومصدر كل شر»[11].

أما مبارك الميلي فقد أوضح مصائب الطرقية لخصها فيما يلي:

-       التوسط بين الله وعباده في قبول التوبة.

-       الترفع من التكاليف الشرعية، والترخيص لأتباعهم في اتباع الشهوات.

-       الاعتماد في دينهم على الخرقات والمنامات[12]

أما الإبراهيمي كان ساخطا عليها بقوله: «فكل راقص صوفي، وكل ضارب بالطبل صوفي، وكل عابث بأحكام الله صوفي، وكل ملحد بآيات الله صوفي، وهلم سحبا، أفيجمّل بجنود الإصلاح، أن يدَعوا هذه القلعة تحمي الضلال وتؤويه، أم يجب عليهم أن يحملوا عليها حملة صادقة شعارهم: "لا صوفية في الإسلام"»[13]

حيث كان يعتبرها الإبراهيمي استعمارا روحيا لا يمكن للشعب الجزائري أن يتحرر من عدوه المحتل لأرضه المستغل لخيراته، لإلا إذا تحرر من هذا الاستعمار الروحي وشفي من هذا الرياء الطرقي المنحرف الذي أعمى بصره، وأمات قلبه، وأضل شعبه، وأهدر جهده[14]، حيث قال: أما والله ما بلغ الوضاعون للحديث، ولا بلغت الجمعيات السرية والعلنية الكائدة للإسلام من هذا الدين عشر معشار ما بلغته هذه الطرق المشؤومة، إن هذه الهوة العميقة التي أصبحت حاجزة بين الأمة وقرآنها هي من صنع أيدي الطرقيين[15].

لم يقتصر نشاط الإمام الإبراهيمي على مدينة تلمسان وحدها، ولكنه شمل الناحية الغربية كلها، فقد كان يزور مدنها فيلقي الدروس والمحاضرات معرفا بالإسلام الصحيح، كاشفا البدع وأهلها، داعيا إلى تأسيس المساجد وبناء المدارس وإنشاء النوادي، وتكوين الجمعيات، حاثا على التعاون، مصلحا بين الناس، وقد كان لذلك كله أثر كبير في تنبيه الغافلين، وإرشاد الحائرين، وهداية الضالين.[16]

أما الشهاب فقد حاربت الطرقية، حيث جاء في عددها الرابع عشر: «كان الناس لا يرون الإسلام إلا الطرقية، وقد زاد ضلالهم ما كانوا يرون من الجامدين والمغرورين المنتسبين للعلم من التمسك بها والتأييد لشيوخها، فلما ارتفعت دعوة الإصلاح في "المنتقد" و"الشهاب" حسب الناس أن هدم تلك الأضاليل التي طال عليها الزمان ورسخها الجهل وأيدها السلطان محال، ولقد صمد الشهاب للطرقية، يحارب ما أدخلته على القلوب من فساد وعقائد، وعلى العقول من باطل وأوهام، وعلى الإسلام من زور وتحريف»[17]

فكان ابن باديس معاديا لها لسببين: لتعاونهم مع الاستعمار الفرنسي، والثانية لكثرة البدع والخرافات التي ألصقوها بالدين الإسلامي[18]، حيث قال في "الشهاب": «حاربنا الطرقية لما عرفنا فيها – علم الله - من بلاء على الأمة من الداخل والخارج؛ فعملنا على كشفها وهدمها مهما تحملنا من ذلك من صعاب، وقد بلغنا غايتنا والحمد لله»[19].

فعلاقة "الشهاب" بالطرق الصوفية وحربها لها فلا تحتاج أي دليل، ذلك لأن الشيخ ابن باديس نفسه صرح بدورها في هذا المجال، حيث نشر ما يقارب عشر سنوات من تأسيسها، يقول: «وبعد، فإن مجلة "الشهاب" تفتخر بأنها أنشئت للحركة الإصلاحية، ورافقتها في جميع مراحلها، وأنها هاجمت البدع في معاقلها، وواثبت الخرافات في أيام عزها واشتدادها، وساورت الأباطيل على احتفالها واستعدادها لم تهن لها عزيمة في  موقف من المواقف التي تخور فيها العزائم وترجف الأفئدة، ولم يكتب لها قلم في ميدان من الميادين التي تنعقد فيها الألسنة وتجبل القرائح»[20]

وقال أيضا: «ومنذ أخذ العلماء المصلحون في الدعوة والإرشاد بالدروس والمقالات، أخذ الشعب يتفطن للخرافة الأكبر ويسبح في سائر النواحي»[21]

فكان ابن باديس يلقي الدروس في المساجد مثل الجامع الأخضر، وكان يقوم بجولات في أنحاء القطر الجزائري، وزار الزوايا ليناقشهم في العقيدة والفكر الإسلامي، منها زيارته زاوية أحمد بن عليوة[22]، وتحدث في هذه الزيارة عن الأولياء وموقف الإسلام من ذلك، وكان يطلب من شيوخ الزوايا أن يبعثوا أبناءهم ليتلقوا العلم بقسنطينة على يده من ّأجل محاربة العقائد الفاسدة[23].

الهوامش



[1] - التصوف: حركة دينية انتشرت في العالم الإسلامي في القر 3 هـ تدعو إلى الزهد وشدة العبادة، تعبيرا عن فعل مضاد للانغماس في الترف، ثم تطور حتى أصبح طرقا مميزة، تبنت مجموعة من العقائد المختلفة والرسوم العملية المخترعة من مناهج كبيرة، ينظر: كتا عبد الله بن دجين السهلي، الطرق الصوفية نشأتها وعقائدها وآثارها، الرياض، ط1، 2005، ص: 11.

[2] - طيب جاب الله: دور الطرق الصوفية والزوايا في المجتمع الجزائري، العدد 14، السنة 8، أكتوبر 2013، ص: 136.

[3] - الطريقة القادرية: نسبة إلى عبد القادر الجيلاني، ويزعم أتباعه أنه أخذ الخرقة والتصوف عن الحسن البصري، ونسبوا إليه معرفة العلوم الغيبية كإحياء الموتى وتصرفه في الكون، ينظر: سعد الله أبو القاسم: تاريخ الجزائر الثقافي، ج1، مرجع سابق، ص: 513.

[4] - الطريقة الرحمانية: من أوسع الطرق انتشارا في عموم الجزائر إبان القرن التاسع عشر، بلغ عدد زوايا الطريقة سنة 1892م 118 زاوية، وأتباعها 156214 حونيا، وانتشرت في الوسط والشرق والجنوب، حتى في تونس، مؤسسها عبد الرحمن الفشتولي الجرجري، الأزهري. ينظر كتاب: نور دين أبو لحية، جمعية العلماء المسلمين والطرق الصوفية والعلاقة بينهما، ط2، دار الأنوار، 2016، ص: 80-83.

[5] - الطريقة التيجانية: مؤسسها أحمد التيجاني، يذهب أتباعه إلى أن الشيخ أحمد التيجاني أحس بإرهاصات الفتح قبل توجهه إلى الحج، ومعناه عندهم رؤية الرسول – صلى الله عليه وسلم – الذي أذن له في تلقين الخلف، سعد الله أبو القاسم: تاريخ الجزائر الثقافي، مرجع سابق، ص: 511.

[6] - مركز البحوث والدراسات: التجربة الدعوية للشيخ عبد الحميد بن باديس، مجلة البيان، ص: 21.

[7] - سعد الله أبو القاسم، الحركة الوطنية، ج1، مرجع سابق، ص: 295-297.

[8] - طيب جاب الله، مرجع سابق، ص: 136.

[9] - مبارك محمد الميلي: مرجع سابق، ص: 164.

[10] - محمد البشير الإبراهيمي: الطرق الصوفية، مكتبة الرضوان وتسجيلات الغرباء الأثرية، ط1، الجزائر، 2008، ص: 40.

[11] - أحمد توفيق المدني: الجزار، دار البليدة للطباعة، ط2، الجزائر، 1963، ص: 376.

[12] - مبارك محمد الميلي: المرجع الساق، ص: 131.

[13] - البشير الإبراهيمي: الطرق الصوفية، المرجع السابق، ص: 07.

[14] - البشير الإبراهيمي، آثار، ج1، المرجع السابق، ص: 40.

[15] - البشير الإبراهيمي: الطرق الصوفية، المرجع السابق، ص: 07.

[16] - البشير الإبراهيمي: آثار، ج1، مرجع سابق، ص: 37.

[17] - الشهاب: السنة الرابعة عشر، ص: 7.

[18] - رابح تركي: عبد الحميد بن باديس، المرجع السابق، ص: 337-339.

[19] - الشهاب: السنة الرابعة عشر، ص: 7-8.

[20] - الشهاب، جزء 9، مجلد 10، غرة جمادى الأولى 1353هـ 12 أوت 1934م، ص: 37.

[21] - الشهاب، جزء2، مجلد 9، غرة شوال 1351هـ / فيفري 1933م، ص: 80.

[22] - أحمد بن عليوة: ولد في مستغانم، وكان ينتمي إلى الطريقة الدرقاوية، حارب الإصلاح بدون هوادة، أسس جريدة "البلاغ الجزائري". ينظر: كتاب سعد الله أبو القاسم، الحركة الوطنية، ج2، مرجع سابق، ص: 394-395.

[23] - صلاح مازن مطبقاني: جمعية العلماء المسلمين الجزائريين ودورها في الحركة الوطنية الجزائرية 1931م، بحث مقدم كجزء من متطلبات الحصول على درجة الماجستير في الآداب، قسم التاريخ بكلية الآداب والعلوم الإنسانية، جامعة الملك عبد العزيز، المدينة المنورة، ص: 46.،

author-img

تاريخ الجزائر الثقافي وآدابها

Kommentare
Keine Kommentare
Kommentar veröffentlichen
    NameE-MailNachricht