أولا: "الشهاب" جريدة (1925م – 1929م)
كانت تصدر
بقسنطينة 1925م – 1939م، وقد أسسها الشيخ "عبد الحميد بن باديس" بدلا
لصحيفة "المنتقد"[1]
التي توقفت في عددها الثامن عشر من طرف فرنسا، نظرا لشدة انتقادها وأسلوبها الحار
ضد إدارة الاحتلال وعملائها[2]،
بحيث خفف اللهجة وسار على خطى "المنتقد" في محاربة الطرق الصوفية
ولمخالفتها روح الشريعة الإسلامية محاولة نشر فكرة الإصلاح[3]، حيث
قال في مقال: «صدرت جريدة الشهاب إثر تعطيل "المنتقد" على مبادئه وخطته
فلاقت ما لاقت في سبيلها من العناء والبلاء فثبتت وصبرت وصابرت وثابرت على العمل
تشتد مرة وتلين مرة»[4]
وبرز عددها
الأول في 12 نوفمبر 1925م حيث كانت تصدر مرة كل أسبوع، ثم أصبحت تصدر مرتين في كل
أسبوع الإثنين والخميس[5]،
بحيث صدر عددها الأول بستة صفحات بالحجم الكبير، واستمرت كذلك حتى العدد 77 ليرتفع
عدد صفحاتها إلى اثنين وعشرين[6].
ومنذ هذا العدد
حملت الشهاب لواء الدفاع عن حقوق الشعب الجزائري المهضومة، والشخصية الجزائرية
التي تتكون في رأي ابن باديس من الإسلام – العروبة والجزائر، حيث كانت لا تتسامح
مع أي شخص كان يحاول المساس بها أو النيل من أحد أركانها[7]،
فكتب على غلاف الجريدة على أنها سياسية، تهذيبية، انتقادية، شعارها الحق فوق كل
واحد، والوطن قبل كل شيء، مديرها وصاحب امتيازها[8] "أحمد
بوشمال"[9]،
فكانت تطبع بالمطبعة الجزائرية الإسلامية، التي أسسها "ابن باديس" بماله
الخاص ومال المحسنين، وكان أعضاء المطبعة الجزائرية الإسلامية هم: "عبد
الحميد بن باديس" و"أحمد بوشمال" و"خليل الزواوي بلقشي"
و"اسماعيل الصحراوي" ثم انسحب هذا الأخير واستعان "ابن باديس"
بمال زوجته وابنة عمه[10]، ولما
عزم الشيخ "ابن باديس" على إنشاء الصحافة الوطنية الصادقة وإعداد مطبعة
قدم له الشيخ بوشمال خدمة جليلة، حيث تبرع بمحله التجاري مكانا للمطبعة، وهو اليوم
كائن بنهج "عبد الحميد بن باديس" بحي الأربعين شريفا بقسنطينة، كان يعرف
بنهج ألكسيس لامبير[11].
ثانيا: "الشهاب" مجلة (1929م – 1939م)
عرفت الجريدة
أزمة مالية حادة حولتها إلى من جريدة مجلة شهرية[12]
ابتداء من رمضان 1347ه، 1 فيفري 1929م، وقد شملت تغيرات على مستوى الشكل والحجم،
وأصبحت تطبع على 36 صفحة[13]،
وقد جاء في أول افتتاحية كتبها الشيخ "عبد الحميد بن باديس" في "الشهاب"
بعد أن تحولت إلى مجلة: «لقد غالبته الظروف بما لها من قوة وسلطان، ولقد قاومها
بماله من حق وإيمان، فغيرته من صورته الأسبوعية إلى هيئته الشهرية، ولكن لن تستطيع
– بإذن الله – أن تمس ضمير بسوء، فتغيبه منه من شيء»[14]
والحق أن "الشهاب" كانت تتطور في أبحاثها ومواضيعها حسب التطورات
السياسية والاجتماعية، يدل على ذلك شعاراتها[15]، فكتب
على غلافها بعد تحولها إلى مجلة أنها مجلة إسلامية جزائرية شهرية تبحث عن كل ما
يرقى المسلم الجزائري، وقد صدر في بادئ الأمر هذه المبادئ مبدؤنا في الإصلاح
الديني والدنيوي، وقول الإمام "ابن أنس" – رضي الله عنه – «لا يصلح آخر
هذه الأمة إلا بما يصلح بها أولها» وتحته مباشرة الحق والعدل والمؤاخاة في إعطاء
الحقوق للذين قاموا بالواجبات، أما أركان الغلاف الأربعة فكانت تحمل الكلمات
الآتية: الحرية – العدالة – الأخوة – الإسلام[16]،
وبعد اكتشاف فرنسا لها، وبداية من المجلد الحادي عشر 1935م حذف "ابن باديس"
الكلمات الأربعة المكتوبة على أركان الغلاف الخارجي التي كان يشير فيها إلى
المرحلة السياسية التي كان يطمح فيها الجزائريون، وعوضه بشعار آخر يدل على يأسه من
فرنسا الاستعمارية ومن كل خير يرجى منها للشعب الجزائري بواسطة النضال السلمي وحده
وهو «لنعول على أنفسنا ونتوكل على الله»[17]
وبداية من شهر
مارس 1937م وفي فاتحة السنة الرابعة عشر أضيف إلى الوجه الثاني من غلافها[18]
الآيتان: {قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني
وسبحان الله وما أنا من المشركين}[19] وثانيهما عن الشمال: {ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن}[20]، وبقي الشهاب تابعا للإمام وخاصا به، مما أتاح له أن
ينشر فيه الآراء والنداءات[21]
والمقالات الدينية عكس من خلالها منهجه الفكري في التعبير، ومنها:
1 – باب مجالس التذكير: ينشر فيه "ابن باديس" تفسيرا للقرآن الكريم
والحديث النبوي، وقد نشر من خلاله ما يقارب 115 موضوعا، وهي مادة ضخمة وغزيرة
جمعها الدكتور "عمار طالبي" في كتابه: "آثار عبد الحميد بن
باديس" وما جمعتها وزارة الشؤون الدينية في كتابين: الأول "مجالس
التذكير من كلام الحكيم الخبير" والثاني "التذكير من كلام البشير النذير[22].
2 – باب رسائل ومقالات: يرد الشيخ "ابن باديس" على رسائل ومقالات من
العلماء والأدباء.
3 – باب منتجات من الكتب والصحف: وفي هذا الركن يعرف "ابن باديس" أهم ما يكتبه
المفكرون والمصلحون في البلاد العربية بصفة خاصة، وأكثرها منقولة من الصحف
الإصلاحية مثل "المنار[23]"
ل"رشيد رضا".[24]
4 – باب قصة الشهر: وهي قصص مختارة القصد منها توعية القارئ وأغلبها دون
إمضاء تنقل من الكتب القديمة، تحكي سيرة بطل من أبطال الإسلام.
5 – باب المباحثة والمناظرة: ينشر فيه ما يكون موافقا لخطة المجلة من المباحثات
والمناظرات التي ترمي إلى استجلاء الحقيقة عن طريق الدليل[25].
6 – باب الفتوى والمسائل: وهو ركن يجيب فيه "ابن باديس" على أسئلة
القراء الفكرية.
7 – باب ثمار العقول والمطابع: يعلن فيه عن أهم ما يستجد في ميدان الإنتاج الفكري كتبا
وجرائد.
8 – باب في المجتمع الجزائري: ينشر هذا الباب الفتى "الزواوي" و"باعزيز
عمر" دون إمضاء "ابن باديس"، ينشر ما يتعلق بالمجتمع الجزائري.
9 – باب نظرة عالمية: ركن سياسي يطلع على مجريات الأحداث العالمية خلال شهر،
يحررها "توفيق المدني".[26]
10 – باب أخبار وفوائد: تنشر أخبارا متنوعة في بعض مجالات الثقافة الإنسانية.[27]
وبالتالي يعود
الفضل "للشهاب" في بعث الثقافة العربية الأصيلة في الجزائر، وحماية
مقوماتها، كما تعتبر أهم المراجع التي تؤرخ للنهضة الفكرية الحديثة في الجزائر ما
بين الحربين[28]،
وقد صدرت بانتظام دون تخلف أو توقف من سنة 1925م حتى إذ قامت الحرب العالمية
الثانية 1939م صدر أمر الوالي العام بتعطيل عدد شهر أوت 1939م، وهو آخر عدد صدر من
مجلة "الشهاب".[29]
الهوامش والإحالات
[1] - عواطف عبد الرحمن: المرجع السابق، ص 37.
[2] - رابح تركي: الشيخ عبد الحميد بن باديس رائد
الإصلاح الإسلامي والتربية في الجزائر، المؤسسة الوطنية للاتصال والنشر والإشهار،
1 جانفي 2001، ص 259.
[3] - سحنون
نصيرة، سي يوسف باية: إسهامات صحافة جمعية العلماء المسلمين في جهود التعليم، مجلة روافد للأبحاث
العلمية في العلوم الاجتماعية والإنسانية، الجزائر، مج 6، ع1، 16-04-2022، ص 108.
[4] - الشهاب
بعد عقد من السنين، ج1، المجلد 11، غرة رمضان 1354ه / 15 أفريل 1935، ص 6.
[5] - محمد رابح، المرجع السابق، ص 181.
[6] - رشيد مياد: إسهامات جريدة الشهاب في فضح
مخططات الإدارة الاستعمارية ونشر الوعي التحرري، مجلة دراسات وأبحاث المجلة
العربية في العلوم الإنسانية والاجتماعية، جامعة المدية، المجلد 12، العدد 1،
السنة 12، جانفي 2020، ص 1081.
[7] - رابح تركي: الشهاب ودورها في نهضة الجزائر
وأقطار المغرب الحديث، ع 309، 1 أوت 1984، ص 100.
[8] - الملحق رقم 1.
[9] - أحمد بوشمال: من أنصار وأتباع الشيخ عبد
الحميد بن باديس، كان مدير جريدة الشهاب، ولما أسس ابن باديس جمعية التربية
والتعليم كان بوشمال رئيس قسم الشبان، ولما توفي ابن باديس تولى رئاسة الجمعية،
انتخب عضوا في المجلس الإداري لجمعية العلماء 1946، ونظم شؤونها المالية ثم تعرض
للتعذيب حتى الموت، انظر: أحمد حماني، صراع بين السنة والبدعة، أو القصة الكاملة
للسطو على الإمام الرئيس عبد الحميد بن باديس، ج1، دار البعث، قسنطينة، 1984م، ص
114-115.
[10] - مراد
قبال: الإصلاح في مصر والجزائر من منظور مجلتي المنار (1898 - 1935) والشهاب (1929
– 1939م)، أطروحة لنيل شهادة دكتوراه العلوم في التاريخ الحديث والمعاصر، كلية
العلوم الإنسانية والاجتماعية، قسم التاريخ، جامعة الجزائر 2 أبو القاسم سعد الله،
ص 54.
[11] - مراد قبال: المرجع نفسه، ص 54.
[12] - محمد رابح، المرجع السابق، ص: 71.
[13] - كوثر
هاشم: إسهامات جمعية العلماء المسلمين الجزائريين في الدفاع عن العدالة الاجتماعية
خلال مرحلة الشهاب (1931-1937)، مجلة مدارات تاريخية، جامعة الشهيد حمة لخضر،
الوادي، مج 1، ع 1، مارس 2019، 28/03/2019، ص 400.،
[14] - الشهاب الشهري بعد الأسبوعي، الجزء 1، المجلد
الخامس، 1347ه/فيفري 1929م، ص 3، انظر الملحق.
[15] - شفيقة خنيفر: تحديات الصحافة الدينية
الإسلامية في الجزائر أثناء الاحتلال، مجلة العلوم الإنسانية والاجتماعية، سوق
أهراس، العدد:3، ديسمبر 2017، ص: 409.
[16] - ينظر
الملحق رقم: 2.
[17] - كوثر هاشم: المرجع السابق، ص 400.
[18] - انظر: الملحق 3.
[19] - سورة
يوسف، 108
[20] - سورة
النحل: 125.
[21] - شفيقة حنيفر، المرجع السابق، ص 409.
[22] - الوكال زرارقة: الفكر الإصلاحي الجزائري في الشهاب ودوره في مقاومة مظاهر الانحراف الوطني والاجتماعي، مجلة الدراسات الإسلامية، العدد 3، يبتمبر 2019.
[23] - المنار: جريدة صدرت في 22 شوال 1315هـ، الموافق ل 1898، استمرت حتى 1935م، أصدرها السيد محمد رشيد رضا في القاهرة، وظل يصدرها حتى وفاته، هدفها الإصلاح الديني والاجتماعي والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ينظر: كتاب أنور الجندي، تاريخ الصحافة الإسلامية، محمد رشيد رضا، ج1، دار الأنصار، 1935م، ص: 38.
[24] - محمد ناصر، تاريخ الصحافة العربية الجزائرية،
المرجع السابق، ص 104.
[25] - محمد ناصر: تاريخ الصحافة، المرجع السابق، ص:
106.
[26] - محمد ناصر، الصحف العربية الجزائرية، المرجع
السابق، ص 65.
[27] - تركي رابح، المرجع السابق، ص 266.
[28] - الجمعي
حجام، المرجع السابق العدد 15، ص 128.
[29] - محمد ناصر، تاريخ الصحافة العربية الجزائرية،
المرجع السابق، ص 106.
