JavaScript is not enabled!...Please enable javascript in your browser

جافا سكريبت غير ممكن! ... الرجاء تفعيل الجافا سكريبت في متصفحك.

كتاب منشور الهداية في كشف حال من ادّعى العلم والولاية 1

مقدمة



وبالحديث عن كتاب الفكّون، فإن عنوانه الكامل هو "منشور الهداية في كشف حال من ادّعى العلم والولاية"، من خلال العبارة الأخيرة نستنتج أنّ المؤلّف أراد به الكشف عن بعض أدعياء العلم والزّهد والتّصوف، بينما هم في حقيقة الأمر دجّالون وكذّابون ومتشدّقة ومبتدعة، موّهوا على العامّة؛ فاتّخذوهم شيوخاً وأولياء. وبذلك فالكتاب مهمّ في كونه يميط اللّثام، ويلقي الضّوء، على الأحوال الاجتماعيّة والدّينيّة والثّقافيّة في قسنطينة، في الفترة التي عاش فيها المؤلّف، والتي تمثل القرن السّابع عشر،

فـ«بينما كان ابن مريم محبّذاً للتّصوّف، واصفاً لأحوال العلماء والمتصوّفين، على ما كانت عليه؛ كان الفكّون ناقداً للعلماء المنحرفين، والصّلحاء والأدعياء، ناقماً عليهم ما كانوا عليه من شعوذة وحبّ للدّنيا، والمتاجرة بعقول العوامّ، وهكذا يصبح كتاب الفكّون مكمّلاً للبستان في وضع كثير من الأمور في نصابها»[1]

كما يضمّ العديد من التّراجم لشخصيّات وعلماء وفدوا على المدينة أو كانت لهم بها علاقة، سواء خلال رحلة من الرّحلات الحجازيّة وغيرها، أو من خلال طلب العلم، أو لفكّ نزاع من النّزاعات التي كانت تحدث بين الفينة والأخرى، وقد ضمّ الكتاب أيضاً بعض القصائد والمقطوعات الشّعريّة، ممّا لا نعثر عليه في غيره من المصادر، وهي في الحقيقة قليلة إذا ما قارنّاها بالمراسلات التي جرت بين "الفكّون" وغيره من العلماء؛ كرسالة "إبراهيم الغريانيّ القيروانيّ"، ورسالة "تاج العارفين العثمانيّ"، أمّا أهمّ مراسلة فقد وقعت بينه وبين "المقّري"؛ خاصّة بعد الجواب الذي كتبه هذا الأخير عن سؤال لمحمّد ابن باديس، عن إعراب آية لابن عطيّة[2].

«وكانت لعبد الكريم الفكّون مراسلات مع عدد من علماء عصره، منهم الجزائريّون وغير الجزائريّين، فقد ذكر هو أنّه كان يتراسل مع سعيد قدّورة[3]، وأحمد المقّري، ومحمّد تاج العارفين العثمانيّ، وإبراهيم الغريانيّ التونسيّ وغيرهم ... وفي رسالة الفكّون ما يشير إلى تبادل الرّسائل بينه وبين المقّري قبل ذلك، فقد أضاف الفكّون إلى رسالته المسجوعة تسعة أبيات على وزن وقافية الأبيات التي ذيّل بها المقّري رسالته إلى الفكون، مع الاعتذار بأنّه ليس من أهل هذا الفنّ»[4]

والكتاب مقسّم على النّحو التّالي:

المقدّمة :

والتي ذكر فيها الفكّون دوافع تأليف الكتاب، والتي تركّزت حول الكلام عن أولئك الذين ادّعوا العلم من المتشبّهين بالعلماء، والذين ادّعوا الولاية من الدجّالين الكذّابين، الذين تبنوا طريق الصّوفيّة، وهم عنها بعيدون كلّ البعد. والغرض من منشور الهداية – حسب الفكّون في مقدّمته – هو النّصح؛ بمعنى أن يكشف للعامّة الزّيف والالتباس الذي موّه عليهم حقيقة هؤلاء وأولئك. «وقد قسم الكتاب إلى فصول، ولم يتبع فيه النظام الأبجدي، فكأنه كان يدرس ظواهر وموضوعات، ولا يكتب تراجم جافة، وسيرا جامدة فيها الولادة والوفاة، وبعض الأعمال والمؤلفات»[5]

يقول: «كلّ ذلك والقلب منّي يتقطّع غيرة على حزب الله العلماء أن ينسب جماعة الجهلة المعاندين الضّالّين المضلّين لهم أو يذكروا في معرضهم، وغيرة على جناب السّادة الأولياء الصّوفيّة أن تكون أراذل العامّة وأنذال الحمقى المغرورين أن يتسمّوا بأسمائهم أو يظنّ بهم اللّحوق بآثارهم، ولم آل في التّنفير من كلتا الطّائفتين والتّحذير منهم في كلّ زمان وأوان، وبين كلّ صالح من الإخوان، إلى أن أحسست لسان القول قد انطلق بنسبة ما لا يليق ذكره من أفواههم، فشرح الله صدري في أن أعتكف على تقييد يبدي عوارهم، ويفضح أسرارهم، ويكون وسيلة إلى الله في الدّنيا والأخرى، لأنّي غرت على دائرة الكمال من أهل حضرته، وذببت جهدي باللّسان والبنان على أهل صفوته، فلا جرم وإن كنت متلوّثاً بالخطايا والأوزار، وممّن أحمل عدّة من القبائح آناء اللّيل والنّهار، أن أرجو من الله المغفرة»[6].

الفصل الأوّل وجاء عنوانه كالتّالي: في من لقيناه من العلماء، والصّلحاء المقتدى بهم، ومن قبل زمنهم؛ ممّن نقلت إلينا أحوالهم وصفاتهم تواتراً.

ذكر فيه المؤلّف أخبار بعض "العلماء" المعروفين بالصّلاح والتّقوى، فمن الذين التقاهم وأخذ عنهم والده أحمد الفكّون، ومحمّد النّقاوسيّ، والشّيخ محمّد التّواتيّ، والشّيخ أبو الرّبيع سليمان القشّيّ، ومحمّد الفاسيّ، وغيرهم. أمّا الذين نقلت إليه أحوالهم وصفاتهم تواتراً؛ فمنهم الشّيخ أبو حفص عمر الوزّان، ومحمّد بن آفوناس، وأبو عبد الله محمّد العطّار، وأحمد الغربيّ، وأبو زكريّا يحي بن محمّد الفكّون، وقاسم الفكّون[7] «وطريقة الفكّون في هذه التّراجم أنّه يبرز معالم الشّخص الذي يترجم له تحسيناً أو تقبيحاً؛ فهو يذكر الشّخص وأصله وبلده وتعلّمه وشيوخه ومواقفه وعلاقاته، ويروي بعد ذلك أخباراً عنه وحكايات جرت له مع معاصريه ومع الحكّام»[8]

يقول في تردّد أحمد زرّوق[9] على قسنطينة: «وكان على هذه الحالة مدّةً إلى أن قدم في بعض الأيّام عل عادته، فلم يجد والد أبي حفص[10] بالباب كعادته فسأل عنه فأخبر أنّه ولد له ولد اشتغل بوليمته، فاتّفق أن مشى الشّيخ أبو العبّاس إلى دار والد أبي حفص وطلب على الولد، أعني سيّدي أبا حفص، فكان يقال: إنّ الشّيخ الزّرّوق أخذته حالة إلى أن جعل الصّبيّ، أعني أبا حفص، على كفّه، وجعل يمشي به من طرف البيت إلى الطّرف الآخر، وهو يقول: اللهمّ تقبّله منّي على أيّ حالة كان،  هكذا تنقل  هذه  الكرامة، وربّما نقلت  عن  الشّيخ الوزّان، رضي الله عنه، ما  يؤيّدها، فكان يقول: أنا دعوة الزّرّوق، رضي الله عنهما ونفعنا بهما وبأمثالهما»[11]

لكنّ المؤلّف لم يركّز على هذا الفصل من كتابه ،وإنّما جاء به على سبيل التّعريف ببعض الشّيوخ الذين كان قد التقاهم، وأخذ عنهم العلم ببلده قسنطينة، أو سمع بعض أخبارهم، التي تشهد لهم بالعلم والصّلاح، ومن المعروف أن الفكّون لم يغادر قسنطينة طلباً للعلم؛ لأنه ''تثقّف ثقافة محلّيّة عصاميّة''[12] 

الهوامش والإحالات



[1] - تاريخ الجزائر الثقافي، 2/355.

[2] - يقصد بذلك إعراب الآية الكريمة 150 من سورة البقرة ''ولأتم نعمتي عليكم ''.

[3] - سعيد ابن إبراهيم قدّورة، مفتي مدينة الجزائر، وفقيهها، وعالمها، وصالحها. تونسي الأصل، جزائري المولد والنشأة، أخذ عن سعيد المقري وغيره، وأخذ عنه محمد بن إسماعيل مفتي الجزائر، ويحي الشاوي، وغيرهما، من آثاره: شرح الصغرى للسنوسي، وشرح السلم المرونق في المنطق للأخضري، وشرح على جوهرة التوحيد للقاني في العقائد ( معجم أعلام الجزائر ص259).

[4] - تاريخ الجزائر الثقافي، 2/195.

[5] - تاريخ الجزائر الثقافي، 2/356.

[6] - الفكّون، منشور الهداية، ص: 32-33.

[7] - لمعرفة المزيد عن الشيوخ المذكورين ينظر منشور الهداية، الفصل الأول، بدءا من الصفحة 35. 

[8] . تاريخ الجزائر الثقافي، 2/356.

[9] - ترجم له ابن مريم في البستان: ص: 45-50، ووصفه بقوله: «الشّيخ، الإمام، العالم، الفقيه، المحدّث، العلّامة، الصّوفيّ، الوليّ، الصّالح، الزّاهد، القطب، الغوث، العارف بالله، الرّحلة الحاج المجاور المشهور شرقاً وغرباً، ذو التّصانيف العديدة والمنقب الحميدة، والفوائد العتيدة، قد عرّف هو بنفسه وأحواله وشيوخه في كنّاشته وغيرها»

[10] - ترجم الفكّون لشيخه أبي حفص عمر الوزّان ووصفه بقوله: «شيخ الزّمان وياقوتة العصر والأوان، العالم العارف بالله الرّبّانيّ أبي حفص عمر الوزّان، نفعنا الله به وبأمثاله، كان بحراً لا يجارى في العلوم فقهاً وأصولاً ونحواً وحديثاً وله في طريق القوم اليد الطّولى، ويقال إنّه دعوة الشّيخ الصّالح القطب الغوث أبي العبّاس أحمد زرّوق» عن الوزّان ينظر: منشور الهداية، ص: 35 – التّنبكتي: نيل الابتهاج بتطريز الدّيباج، ص: 197 - تاريخ الجزائر الثّقافيّ، 1/379.

[11] - الفكّون، منشور الهداية، ص: 36.

[12] - سعد الله، أبو القاسم، مقدمة منشور الهداية، ص10. 

author-img

تاريخ الجزائر الثقافي وآدابها

تعليقات
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق
    الاسمبريد إلكترونيرسالة