JavaScript is not enabled!...Please enable javascript in your browser

جافا سكريبت غير ممكن! ... الرجاء تفعيل الجافا سكريبت في متصفحك.

رسائل أبي الفضل ابن محشرة 1

 مقدمة

 يعتبر ابن محشرة من أبرز  كتّاب الإنشاء الجزائريّين الذين وظّفهم خلفاء  الموحّدين، ويظهر – من خلال رسائله المنشورة -  كاتباً  متمرّساً عارفاً بفنون الإنشاء، مطّلعاً على مجريات الأحداث في المغرب والأندلس، ويعود أصله إلى بجاية، حيث ولد عام 540ه أو قبلها بمنطقة آشير من قلعة بني حمّاد، ولا نعرف عن عائلته سوى أنّه كان من بيت علم وجلال، وأنّ أباه كان قاضياً ببجاية، وقد تتلمذ على يد أبي القاسم القالمي المذكور، وانفرد ابن الزّبير عن سائر المترجمين لأبي الفضل بقوله: «روى عن أبي بكر بن غالب بن عطيّة[1]، وأبي بكر بن سابق[2]، وأبي محمّد التّامقلق، وروى عنه ابن أخته القاضي أبو عبد الله»[3]

وصفه الغبرينيّ بقوله: «ومنهم الشّيخ الفقيه الجليل العالم الصّدر النّبيل النّبيه الذّكيّ السّنيّ القدر، الكاتب البارع أبو الفضل ابن محمّد بن عليّ بن طاهر بن تميم القيسيّ، من أهل بجاية، وأصله قد اشتهر، ويعرف بابن محشرة، يكنّى أبا الفضل وأبا العلى، كان أبوه قاضياً ببجاية[4]، له علم متّسع المدى، وتخصّص ووقار بما سبيله فيما يقتدى، كان متمكنّ المعرفة، حسن الشّارة والصّفة، له الهمّة السّنيّة، والأخلاق المرضيّة، وكان وجيهاً مكرّماً ومشرّفاً معظّماً، استدعاه الخليفة ابن عبد المؤمن إلى حضرتهم بمراكش، فارتحل من بجاية وهو كاره لارتحاله، مع علمه أنّه استدعاه لمنصب يسمو به على أمثاله، ولكنّ عزة العلم أغنته عن النّاس، وحصلت له من المزيّة في الأنفس أزيد مما يقاس.[5]

ومن المعلوم أنّ هذا الخليفة الموحّديّ قد استشعر مهنة الكتابة في هذا العهد الذي بدأ يشهد عدّة ثورات، إضافة إلى عمليّات الفتح ومجابهة الصّليبيّن، خصوصا وأنّ الدّولة الموحّديّة لم تبسط نفوذها بعد على ربوع البلاد الأندلسيّة، بالإضافة إلى أنّ الخليفة لابدّ له من وزراء ومستشارين وكتّاب؛ يستعين بهم في تسيير أمور الخلافة، والحقيقة أنّ وظيفة الكتابة معروفة في الخلافة الإسلاميّة بصفة عامّة، بما في ذلك الخلافة الأمويّة في الأندلس وصولا إلى المرابطين. 

ويذكر الغبرينيّ السّبب الذي من أجله تمّ استدعاء ابن محشرة؛ وهو أنّ كاتب سرّ الخليفة في ذلك الزّمان توفّي، واهتمّ أمير المؤمنين لذلك غاية الاهتمام، وكان مسعود بن سلطان الرّياحيّ المعروف بمسعود البلطيّ[6] وفد على أمير المؤمنين من هذه البلاد، وكانت له عنه مزيّة، وكان يحضر معه أكثر الأوقات في الخلوات، قال: فدخلت عليه يوماً فوجدته مغتمًّا، وقد ظهر التّغيّر في وجهه، فقلت له: يا سيّدنا يا أمير المؤمنين، ما الذي أهمّكم لا أهمّكم الله؟ فقال لي: إنّ كاتب سرّنا فلاناً قد مات، وقد احتجنا إلى من نقيمه مقامه وما وجدنا؛ لأنّه يُحتاج في كاتب السّرّ أن يكون على صفة كذا وعلى نعت كذا، فقلت له: بشراك يا سيّدنا يا أمير المؤمنين، هذا الرّجل ببجاية، أبو الفضل بن محشرة، ووصف له من صفاته ما وقع منه موقع القبول ...[7]

ولمّا مثل بين يدي الخليفة أكرمه ورفع منزلته، غير أنّ الحسّاد حاولوا تعكير صفو هذه العلاقة، حين اتّهموا ابن محشرة بالتّقاعس عن المجيء فور استدعاء الخليفة له، والتّأخّر عن تلبية ندائه، وعندما واجهه الخليفة معاتباً أجابه مشيّهاً إتيان الخليفة بإتيان الصّلاة قائلاً: «يا أمير المؤمنين، أنت إمام المسلمين، وما أحسب أنّ محلّ الإمامة إلّا كمحلّ الصّلاة، فكما آتي إلى الصّلاة آتي إل هذا المحلّ، وقد قال رسول الله – صلّى الله عليه وسلّم -: إذا أقيمت الصّلاة فلا تأتوها وأنتم تسعون و[لكن] ائتوها تمشون وعليكم السّكينة، فما أدركتم فصلّوا، وما فاتكم فأتمّوا"[8] فاستحسن الخليفة ذلك منه، وعظمت منزلته في نفسه»[9]

كما يذكر المرّاكشيّ أنّ أبا الفضل ظلّ كاتباً – بعد وفاة- يوسف بن عبد المؤمن – لولده يعقوب، وقد جمع أبو الفضل جعفر هذا إلى براعة الكتابة سعة الرّواية وغزارة الحفظ وذكاء النّفس[10]

أمّا فيما يخصّ الرّسائل التي أوردها له بروفنصال في مجموع الرّسائل الموحّديّة فعددها 9 كما يلي:

والملاحظ أنّها الرّسالة الوحيدة ضمن "رسائل ابن محشرة التي  نشرها  بروفنصال"  عن  الأمير  يوسف، فبعد  وفاته كتب أبو الفضل لابنه  الخليفة يعقوب  المنصور،  وهذا ما  يتّضح من  الرّسالة الموالية وهي الرّسالة السّابعة  والعشرون ضمن المجموع:

يقول ابن محشرة: « ... وخلال ذلك  جُمع أشياخ  العرب وأعيانهم والمشار إليهم  من رؤسائهم ووجوههم وكبرائهم من جميع قبائل رياح – وفّقهم الله – فذكّروا بحقوق هذا  الأمر العظيم وآلائه الجزيلة ومننه الجسام، ونبّهوا على ما كان لسلفهم من العرب من كريم السّوابق في أوّل الإسلام، وأنّ الله قد وعد هذه الطّائفة المنصورة أن تملك العرب كما بشّر به المصطفى – عليه أفضل الصّلاة والسّلام، وحرّضوا على أن يكون لهم في نصر هذا الدّين ما كان لسلفهم القديم من الآثار الكرام ...»[11]

الرّسالة السّادسة والعشرون: عن الأمير يوسف بن عبد المؤمن إلى الطّلبة والموحّدين والشّيوخ والأعيان والكافّة بقرطبة في نصف شوّال 586 يخبرهم بارتحال رياح من عرب إفريقية إلى الأندلس برسم الجهاد بالعدوة الأندلسيّة[12]، والملاحظ أنّ هذه الرّسالة تؤكّد مشاركة القبائل العربيّة في الجهاد كما ذكر ابن خلدون[13].

الهوامش والإحالات



[1] - الإمام الحافظ، النّاقد المجوّد أبو بكر غالب بن عبد الرّحمن بن غالب بن تمّام بن عطيّة المحاربيّ الأندلسيّ، الغرناطيّ المالكيّ (441 - 518هـ): روى عن أبيه والحسن بن عبيد الله الحضرميّ، ومحمّد بن حارث، ومحمّد بن أبي غالب القرويّ، ورأى ابن عبد البرّ، وحجّ سنة تسع وستّين، فسمع عيسى بن أبي ذرّ والحسين بن علي الطّبريّ، وأبا الفضل الجوهريّ، ومحمّدا بن معاذ التّميميّ  المهدويّ، روى عنه ولده صاحب التّفسير الكبير، قال ابن  بشكوال: "كان حافظاً للحديث وطرقه وعلله، عارفاً بالرّجال، ذاكراً لمتونه ومعانيه، قرأت بخطّ بعض أصحابنا أنّه سمعه  يذكر أنّه كرّر عليه صحيح البخاري سبعمائة  مرّة" (سير أعلام النّبلاء، 10/586).

[2] - محمّد بن سابق الصّقلّي، يكنّى أبا بكر، الجزيريّ نسبة إلى شقر، عرف بابن الرّماح، وجاء في التّكملة: "وعندي أنّ أبا بكر  الجزيريّ هو محمّد بن سابق الصّقلّي نسب إلى  جزيرة شقر ويكنّى أبا بكر"، رحل إلى الأندلس وأخذ عنه أهل غرناطة، وكان من  أهل الكلام مائلاً إليه، فأخذ عنه تلاميذ عدّة أشهرهم ابن القصير والزّنيقيّ وغيرهم، كما اتّجه إلى مكّة وأخذ عن مشايخها ومنهم شيخته كريمة بنت أحمد المروزيّة، وظلّ يتردّد على المشائخ وينتقل من بلد إلى آخر، إلى أن انتهى به المطاف في مصر، فأقام بها إلى  أن وافاه أجله في ربيع الأوّل من عام 493هـ، ومن شيوخه هناك أبو علي الحضرميّ القيروانيّ الذي يبدو أنّه التقاه في الاسكندريّة، واستمع لدروسه وحضر مجالسه في علم الكلام (ترجمته في: الصّلة برقم 1333 - التّكملة  لكتاب الصّلة، 2/157 - بغية الملتمس، برقم 140 ).

[3] -  ابن الزّبير، صلة الصّلة، ص: 291.

[4] - والده هو علي بن طاهر بن تميم القيسي، أبو الحسين، ويقال ابو الحسن، ويعرف بابن محشرة: قاض، حافظ، محدث، من فقهاء المالكية، من أهل بجاية، وبها نشأ وتعلم. رحل إلى الاندلس، وروى عن أبي بكر غالب بن عطية وغيره. روى عنه ابن أخته محمد بن علي ابن الرمامة، المتوفي سنة 567 هـ. وولي قضاء بجاية (معجم أعلام الجزائر، ص: 53).

[5] - الغبريني، عنوان الدراية، ص53.

[6] - هو مسعود بن سلطان بن زمام، أبو سرحان، أمير بني رياح، كان من الخارجين على بني عبد المؤمن.

[7] - الغبريني، ص 53- 54.

[8] - أخرجه التّرمذيّ (327)، وابن ماجة (775)، وأحمد (7649)، وفي البخاريّ (635): "بيْنَما نَحْنُ نُصَلِّي مع النبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ إذْ سَمِعَ جَلَبَةَ رِجَالٍ، فَلَمَّا صَلَّى قَالَ: ما شَأْنُكُمْ؟ قالوا: اسْتَعْجَلْنَا إلى الصَّلَاةِ؟ قَالَ: فلا تَفْعَلُوا إذَا أتَيْتُمُ الصَّلَاةَ فَعلَيْكُم بالسَّكِينَةِ، فَما أدْرَكْتُمْ فَصَلُّوا وما فَاتَكُمْ فأتِمُّوا".

[9] - عنوان الدّراية، ص: 54-55.

[10] - المراكشي عبد الواحد، المعجب في تلخيص أخبار المغرب، ت: محمد زينهم، محمد عزب. دار الفرجاني للنشر والتوزيع، د.ت، د.ط، ص 220.

[11] - بروفنصال، ص: 152.

[12] - بروفنصال، ص: 149- 157.

[13] -  تاريخ ابن خلدون، 6/500.

author-img

تاريخ الجزائر الثقافي وآدابها

Comments
No comments
Post a Comment
    NameEmailMessage