JavaScript is not enabled!...Please enable javascript in your browser

جافا سكريبت غير ممكن! ... الرجاء تفعيل الجافا سكريبت في متصفحك.

الرسائل الديوانية في الدولة الموحدية 2

 كتّاب الرّسائل الدّيوانيّة

وما يهمّنا هنا هو كتّاب الرّسائل الدّيوانيّة، الذين غالباً ما يتم انتقاؤهم انطلاقاً من قدرتهم على الإبداع في الكتابة وفق المتعارف عليه في هذا النّوع من الرّسائل، خاصّة من حيث البناء الفنّي، وقد «أخذت الرّسائل الدّيوانيّة تزدهر في المغرب الأقصى منذ عهد يوسف بن تاشفين أمير دولة المرابطين واستدعائه أبا بكر بن القصيرة[1] رئيس ديوان المعتمد بن عبّاد وتكليفه برياسة ديوانه في مراكش عاصمته، وكان آية في البيان والبلاغة، فأرسى في الدّيوان المرّاكشيّ تقاليد الكتابة الدّيوانيّة الأندلسيّة، وظلّ رئيساً لهذا الدّيوان حتّى وفاة يوسف بن تاشفين سنة 500 للهجرة»[2]

بناء الرسائل

والرّسالة فنّ من الفنون النّثريّة التي لها بناؤها وخصائصها الفنّيّة التي ذكرها من عني بهذا الفنّ، لأنّ الرّسالة باعتبارها جنساً أدبيًّا يجب أن تتوفّر على عناصر تجعلها تدخل في "باب الأدب" مثلها مثل غيرها من الأجناس النّثريّة كالخطابة، ومن أوائل الذين أشاروا إلى تلك الأجناس أبو هلال العسكريّ في كتابه الصّناعتين، حيث يقول: «واعلم أن الذي يلزمك في تأليف الرّسائل والخطب هو أن تجعلها مزدوجة فقط ولا يلزمك فيها السّجع فإن جعلتها مسجوعة كان أحسن ما لم يكن في سجعك استكراه وتنافر وتعقيد»[3]

1-  الافتتاحكـانت الرسائل النثرية غالباً ما تفتتح بالبسملة والتحميد والصلاة على رسول الله أو مبتدئة بالدعاء للمرسل إليه، وذكر اسمه وتعداد مناقبه بما يتناسب ومن يكتب إليه، أميراً أو وزيراً أو صديقاً، ومن الأمثلة التي تبدأ بالدعاء للمرسل إليه، قولك: أطال الله بقاء سيدي ومولاي الجليل القدر، سماحة الشيخ الجليل حفظه الله ورعاه، إلخ.

2-  المقدمة: وفيها تعبر عن عاطفتك نحو المرسل إليه، إما بالدعاء له، أو بإقرائه السلام، أو غير ذلك مما يلائم الموضوع والشخص المكتوب إليه.

3-  المقصد والغاية (الغرض): وهو جوهر الرسالة، ويتناول ذكر الغرض الرئيس الذي من أجله وضعت الرسالة، وينبغي هنا عدم الإسهاب، والاقتصار على تفصيل هذا الغرض بالذات.

4-  الخاتمة: وبها يختم الكاتب رسالته بطريقة مماثلة لمقدمة الرسالة، أي بعبارات تؤكد العواطف والأفكار التي جاءت في صلب الرسالة. ومن صور الختام: "السلام عليكم ورحمة الله وبركاته"، "والله تعالى يجعلنا وإياكم ممن شكر النعمة وآثر العمل الصالح، وقدمه بمنه"، و"والله ولي الصابرين" ، إلى غير ذلك مما يناسب موضوع الرسالة، والشخص المرسل إليه. ومن آداب الرسالة أن تذيل بإمضاء المرسل، وأن يعين فيها تاريخ كتابة الرسالة، وأن يذكر عنوان المرسل بوضوح.

موضوعات الرّسائل الموحّديّة:

لا شكّ أنّ اهتمام الموحّدين بكتّاب الرّسائل الدّيوانيّة كان له أثر في السّياسة العامّة للدّولة، كما أنّ موضوعات تلك الرّسائل كانت متنوّعة، فلم تقتصر على جانب واحد، وهذا ما سنقوم بإبرازه من خلال عرض أهمّ تلك الموضوعات التي تضمّنتها الرّسائل الدّيوانيّة:

1 – رسائل البيعة:

عُرفت البيعة في نظام الحكم الإسلاميّ[4] منذ عهد الرّسول – صلّى الله عليه وسلّم - ، وهي من أبرز جوانب الفعل السّياسيّ الذي تمارسه الأمّة، إذ إنّها في الرّؤية الإسلاميّة تضفي الشّرعيّة اللّازمة على نظام الحكم، فهي ميثاق تأسيس المجتمع السّياسي وأداة إعلانه التزامُه بالمنهج والشّريعة والشّورى، يقول ابن الأثير: «إنّ البيعة عبارة عن المعاقدة والمعاهدة، كأنّ كلّ واحد منهما باع ما عنده من صاحبه، وأعطاه خالصة نفسه وطاعته ودخيلة أمره»[5]، وقال الرّاغب الأصفهانيّ: «وبايع السّلطان إذا تضمّن بذل الطّاعة له، ويقال لذلك بيعة ومبايعة»[6].

كما تناول "ابن خلدون" مفهوم البيعة انطلاقا من معناها اللّغوي المذكور، يقول في المقدّمة: «اعلم أنّ البيعة هي العهد على الطّاعة، كأنّ المبايع يعاهد أميره على أنّه يسلّم له النّظر في أمر نفسه وأمور المسلمين، لا ينازعه في شيء من ذلك، ويطيعه فيما يكلّفه به من الأمر على المنشط والمكره، وكانوا إذا بايعوا الأمير وعقدوا عهده جعلوا أيديهم في يده تأكيداً للعهد، فأشبه ذلك فعل البائع والمشتري، فسمّي بيعة، هذا مدلولها في عرف اللّغة ومعهود الشّرع، وهو المراد في الحديث في بيعة النّبيّ ليلة العقبة وعند الشّجرة»[7].

شروط البيعة

ولأهميّة أمر البيعة، فقد عقد لها فقهاء المسلمين خمسة شروط لازمة التّحقق، وهي[8]:

(1) أن يجتمع في المأخوذ له البيعة شروط الإمامة.

(5) أن يتَّحِدَ المعقود له، بأن لا تُعقد البيعة لأكثر من واحد

(3) أن يُجيب المبايَع إلى البيعة؛ حتى لو امتنع لم تنعقد إمامته ولم يُجْبَر عليها.

(4) الإشهاد على المبايعة، فيما إذا كان العاقد واحدًا، أما إذا كان العاقد للبيعة جمعًا، فإنه لا يشترط الإشهاد.

(2) أن يكون المتولِّي لعقد البيعة أهل الحلِّ والعقد من العلماء والرؤساء، وسائر وجوه الناس.

الهوامش والإحالات


[1] - ابن القصيرة الكاتب محمد بن سليمان أبو بكر الكلاعي الأشبيلي الكاتب المعروف بابن القصيرة رأس أهل البلاغة توفي عن سن عالية سنة ثمان وخمس ماية وقد خرف كان من أهل التفنن في العلوم وسافر رسولا عن المعتمد بن عباد إلى الملوك غير مرة وأورد له صاحب الذخيرة في كتابه رسايل وشعرا من ذلك ما كتبه إلى المعتمد هنا بولد جاء لولده سراج الدولة عباد

* لم يستهل بكا ولكن منكرا * أن لم تعد لم تعد له الدروع لفايفا *

* أو لم يكن بين المذاكي مهده * بدءا ومشتجر الرماح مآلفا *

* شيم الليوث تبين في أشبالها * من قبل أن تلغ الدماء رواشفا *

وقوله من أخرى في التهنئة به

* ابصره مرتقيا على درجاته * مثل الهلال إذا جرى بمنازله *

* والغصن في طبع الأرومة ما زكت * إلا وطابقها زكاء شمايله *

الوافي  بالوفيات، 3/108  - الصّلة، ص: 512 – المغرب في حلى المغرب، ص:: 350 – الأعلام، 6/150.

 

 

[2] - ضيف شوقي، عصر الدّول والإمارات، الجزائر – المغرب الأقصى – موريطانيا – السّودان، دار المعارف، القاهرة، ط1، ص: 490.

[3] - العسكريّ أبو هلال، الحسن بن عبد الله، الصّناعتين، الكتابة والشّعر، تح: علي محمّد البجاويّ، محمّد أبو الفضل إبراهيم، دار الفكر العربيّ، بيروت، ص: 159.

[4] - قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَنْ لَا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا وَلَا يَسْرِقْنَ وَلَا يَزْنِينَ وَلَا يَقْتُلْنَ أَوْلَادَهُنَّ وَلَا يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ وَلَا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ فَبَايِعْهُنَّ وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ الممتحنة 12.

وَعَنْ جَرِيرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: بَايَعْتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم عَلَى شَهَادَةِ أنْ لا إِلَهَ إِلا اللهُ، وَأنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ الله، وَإِقَامِ الصَّلاةِ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ، وَالسَّمْعِ وَالطَّاعَةِ، وَالنُّصْحِ لِكُلِّ مُسْلِمٍ. متفق عليه.

الثاني: البيعة على النصرة والمَنَعة:

كما بايع وفد الأنصار رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن يمنعوه وينصروه، وهي بيعة العقبة الثانية في منى.

الثالث: البيعة على الجهاد:

قال الله تعالى :إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ التّوبة: 111.

والبيعة حق لكل مسلم وواجب عليه رجلاً كان أو امرأة، لا فرق في ذلك بينهما، وقد جرى العمل على ذلك في عهد النبوة والخلافة الراشدة، لا تختلف من ناحية الحكم الشرعي عن أي حكم شرعي آخر، ولكنها تمتاز بشروط خاصة دلت عليها النصوص وما جرى عليه إجماع الصحابة وأهمها (الإسلام، والبلوغ، والعقل، والرضا، والاختيار، وغيرها) لذلك فإن الشرع جعل البيعة بالرضا التام والاختيار المطلق، فالرضا شرط في صحتها، ولا يجوز شرعاً الإكراه عليها، فلا تعتبر البيعة شرعاً إلا برضا المسلمين ومشورتهم واتفاق أغلبيتهم، لأنها ابتداء حق من حقوق الأمة الإسلامية.

[5] - ابن منظور، لسان العرب، دار صادر، بيروت، 8/26.

[6] - الأصفهانيّ الرّاغب، الحسين بن محمّد، المفردات في غريب القرآن، تح: مركز الدّراسات والبحوث بمكتبة نزار مصطفى الباز،

ص: 155.

[7] - ابن خلدون، المقدّمة، ص: 261.

[8] - أحمد بن عبد الله القلقشندي: مآثر الإنافة في معالم الخلافة تح: عبد السّتّار أحمد فرّاج، عالم الكتب، بيروت، 1/20-23.

author-img

تاريخ الجزائر الثقافي وآدابها

تعليقات
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق
    الاسمبريد إلكترونيرسالة