JavaScript is not enabled!...Please enable javascript in your browser

جافا سكريبت غير ممكن! ... الرجاء تفعيل الجافا سكريبت في متصفحك.

منشور الهداية في كشف حال من ادعى العلم والولاية 2

منشور الهداية فصول الكتاب



وإذا انتقلنا إلى الفصلين الثّاني والثّالث، نجد أنّ المؤلف قد ركّز عليهما؛ نظراً للحجم الذي استغرقاه من الكتاب، ولا شك أنّهما هما الغرض المقصود من النّصح؛ كونهما يتحدّثان عن حال من ادّعى العلم والولاية، أصدق حديث، وهما على النّحو التّالي:

الفصل الثّاني بعنوان: فيمن تعاطى المنصب الشرعيّ؛ لادّعائه العلم، وهم كلّ من ادّعى ما لا يصحّ له من خطّة وتدريس وغيرهما، إلّا قليلاً، وفي الحديث: كلابس ثوب زور.

وتحدّث فيه الفكّون عن المتشبّهين بالعلماء، وذكر شيئاً من أحوالهم وأخبارهم، التي يؤيّد بها كلامه، ومسلّطاً الضّوء – تبعاً لذلك – على بعض الظّواهر الاجتماعيّة المشينة، التي تفشّت وانتشرت في قسنطينة - على عهده - ممّا يسيء إلى مكانة العلماء، نتيجة كثرة الدّخلاء الأدعياء، الذين يتظاهرون بالوقار والصّلاح، فضلاً عن التّقوى، ممّا يصعب معه التّمييز من قبل العامّة، التي التبس عليها الأمر؛ فتصدّق ما يصدر من هذه الفئة أو تلك، كلّ ذلك جعل المؤلّف يتصدّى لهؤلاء المتشبّهين، محاولاً فضح ادّعاءاتهم، وهو في كلّ ذلك شديد القسوة في نقده، من بداية هذا الفصل إلى نهايته. والأمثلة على ذلك كثيرة؛ من ذلك مثلاً ما نجده أثناء ترجمته لأبي العبّاس يحي ابن محجوبة، حيث يقول: «وهو ممّن حاز في زمنه رئاسة الفتوى، وكان له صيت في بلده، وتعدّدت محنه من دار السّلطنة، وكثرت سجونه، وكثيرًا ما يفرّ من الأوامر الواردة في الانتقام منه، وأغرم مراراً، وكان قرأ على العمّ قاسم [ الفكّون]، إلّا أنّه لم يتقن ما قرأ عليه»[1].

وشبيه ذلك ما نلمسه في تعريفه بمحمد السوسي الفاسي، الذي نزل قسنطينة واستوطنها، حيث  قال عنه: «وأصله من المغرب من فاس - فيما يقول - وذكر أن له مشيخة جمة، وادعى في المعرفة دعوى واسعة» [2] ففي تعبير الفكون ما يوحي بأن السوسي من المدعين، نلمس ذلك في قوله (فيما يقول – وذكر أن له – وادعى ) فهذه التعابير الثلاثة تفيد بأن المؤلف يشك في ما ذكره السوسي، ولا يكاد يصدقه، بعد ذلك يورد بعضا مما جرى له معه؛ مثل قدومه عليه في هيئة جندي أو أعرابي لا يؤبه به، ثم بعد أيام يجده قد «انتمى إلى بعض المتشبهين بزي الفقهاء من أهل العصر، فأشاد بذكره ونوه به، واجتمع عليه حاشيته وأصحابه للإقراء، وانتصب للتدريس، ونسي ما طلب من القراءة وطلب الإفادة»[3]

والشّيء نفسه نجده في تعريفه بأبي العبّاس أحمد المدعو احميدة بن حسن الغربيّ الذي – رغم صداقته له – فإنّه يسلّط عليه معول نقده، ويكشف بعض ما عرف عنه من الأمور التي لا تليق بطالب علم فضلاً عن عالم، قال عنه إنّه «كان في أوّل زمانه ممّن أحبّنا في الله وأحببناه ... تولّى النّيابة عن قضاة العجم [غير أنّه] امتحن من الولاة كثيراً، وسجن وأغرم المال مرّات، وتشكّت به العامّة، وكان مقليًّا عند الخاصّة، وينسبون إليه أموراً لا يليق صدورها بعاقل، وكان يخدم الولاة ويعظّمهم، ويمتهن نفسه في موالاتهم، ويعطيهم الرّشا، وربّما يقال – فيما اشتهر – أنّه يتوسط لهم في ذلك من أهل البلد»[4]

«أبو العبّاس أحمد بن أحمد بن محمّد بن عيسى البرنسيّ الفاسيّ ... ولد عام 846 وتوفّي والداه قبل سابع ولادته، فكفلته جدّته الفقيهة أمّ البنين، واشتغل بالصّناعة فتعلّم السّكافة، ثمّ طلب العلم في السّادس عشر من عمره؛ فدرس على مشاهير أهل بلده، ورحل إلى المشرق فأخذ به عن جماعة من الأعيان، ثم رجع وقد تضلّع بعلوم الشّريعة وأتقنها غاية الإتقان، ولا سيما التّصوّف؛ فقد انفرد بمعرفته وبجودة التّأليف فيه لتحريره له على أصول ... توفّي بطرابلس الغرب عام 899ه.»[5]

الفصل الثّالث: فيمن ادّعى الولاية من الدّجاجلة الكذّابين والمتشدّقة والمبتدعة الضّالّين المضلّين

في هذا الفصل نجد تراجم لمن وصفهم الفكّون ب""الدّجاجلة الكذّابين والمتشدّقة والمبتدعة الضّالّين المضلّين"، وقد استهلّه بترجمة قاسم بن أمّ هانئ، وثورة والده نواحي نقاوس: «فاعلم أنّ هذا  الرّجل كان في ابتداء أمره ذا سمت حسن بأن جانَب جبايا زواياهم إذ لأسلافه رعايا يؤدّون لهم   الأعشار والزّكوات، فكان ذلك الرّجل مباعداً لأمورهم مشغولاً عنهم ... حتّى أمال القلوب إليه وأصغى الآذان نحوه وأشارت بالإلف إليه الأصابع[6]، وسبب ذلك أنّ رعاياهم امتدّت إليها أيدي اللّصوص فلم يبق لها بينهم حرم، وصاروا يأخذونهم حيث ما وجدوهم إلّا أن يجعلون لهم غرامة ... وخصوصاً لما وقع لولده أبي عبد الله محمّد من القيام وشقّ العصا قرب نقاوس»[7]

ووصف الحضرة الصّوفيّة بقوله: «واتّخذوا الحضرة، وهي لعبة يتّخذونها يراؤون بها النّاس ولا يستخفون من الله، بها يأكلون ومنها يتموّلون وعليها في قضاء أوطارهم يعوّلون، يجتمعون لذكر المولى جلّ جلاله فيغيّرون اسمه ويشطحون ويرقصون وربّما يتضاربون، فتراهم ككلاب نابحة، ولعابهم كمياه طافحة، وأنفاسهم كنيران نافحة، لا يفرّقون بين واجب ومندوب ولا محرّم ومكروه، ويعتقدون أنّ ما هم عليه هو الحقّ الواضح، والطّريق الأقوم الرّاجح، ولقد زيّن لهم الشّيطان أعمالهم وحبّب إليهم أفعالهم استحوذ عليهم الشّيطان فأنساهم ذكر الله أولئك حزب الشّيطان ألا إنّ حزب الشّيطان هم الخاسرون»[8].

وقد وقف الفكّون مطوّلاً عند قاسم ابن أمّ  هانئ، لما رأى منه من الأمور التي تدخل في خانة الدّجل والكذب والتّلبيس على العامّة، ومن أوصافه: «شدّة الأنفة وعدم الانقياد إلى الحقّ فيما يعرض له من المخاصمات، فيؤثّر على أداء ما وجب عليه والرّضى به الوقوف مع الحظوظ النّفسانيّة والأنفة  الشّيطانيّة في أن يذلّ لغالب أو يخضع لطالب ولو بصميم الحقّ وقاطع الصّدق، وتراه يمشي زبانيته بين  يديه لتفريق الرّشا على الحكّام والأمراء فتسمح نفسه ببذل مائة لأولئك ولا تنقاد لدفع درهم واجب عليه، وهذه صفة الكفر أقرب إليها من الإيمان»[9].

وبعد وصف قاسم ابن أمّ هانئ وأفعاله المشينة ينتقل الفكّون إلى ترجمة أحمد بوعكّاز وذكر جماعته "العلمة": «ومنهم أبو العبّاس أحمد الملقّب بوعكاز، وهو رجل مسنّ وجماعته العلمة، وهم فرقتان: غرابة وهو أهله، وشراقة، وكلّهم ينسبون إلى الشّيخ الصّالح "معنصر"، نفع الله به وبأمثاله، فقام هذا الرّجل في قبيلته بعد انقراض أولاد عمّه، إذ الوجاهة كانت له وفي عقبه، فاحتاجت جماعته إلى من يقوم عليهم لتجاسر اللّصوص على من كان فيما لهم، فهرعوا إلى أحمد المذكور وصنعوا به من التّعظيم والتّوقير وإشادة الآثار الحميدة ما يقرعون به عنهم الأيدي العادية»[10].

وقد أورد الفكّون، في هذا الفصل، الأوجه التي عدّها الصّوفيّة سبباً في تجنّب طعام الظّلمة، وهي[11]:

الأوّل: ما في إرضائهم من الموالاة التي لا تحلّ مع ما هم عليه من الظّلم.

الثّانيّ: ما فيه من إغرائهم على المنتسبين إمّا سوء الظّنّ بالجهل لاعتقادهم حرمة ما بأيديهم وأنّ ما يأكله لا خلاق له.

الثّالث: ما فيه من إعانتهم على ما هم فيه إذ يرون أنفسهم من أهل الخير.

الرّابع: ما في ذلك من ميل النّفوس لهم.

السّادس: ما يلحقه بسبب ذلك من الذّلّة وتغيّر  الحال.

الخامس: ما في ذلك من تناول الشّبهة لغير ضرورة.

الهوامش والإحالات



[1] - الفكون، منشور الهداية، ص 63.

[2] - الفكون، منشور الهداية، ص 72.

[3] - الفكون، منشور الهداية، ص73.

[4] - الفكون، منشور الهداية، ص 75.

[5] - عبد الله كنون، النبوغ المغربي في الأدب العربي، ط2، بيروت، لبنان، 1961 ص207-208.

[6] -  إشارة  إلى  قول الفرزدق:

إذا قيل أي الناس شر قبيلة … أشارت كليب بالأكف الأصابع

البيت للفرزدق يهجو جريرا، وقوله: «بالأكف»، الباء للمصاحبة بمعنى مع، أي: أشارت الأصابع مع الأكف، أو الباء على أصلها والكلام على القلب، وكأنه أراد: أشارت الأكف بالأصابع، فقلب، وجملة أي الناس شر: نائب فاعل.

[7] - الفكون، منشور الهداية، ص 118-119.

[8] - الفكون، منشور الهداية، ص 119-120.

[9] - الفكون، منشور الهداية، ص: 123

[10] - الفكون، منشور الهداية، ص 133.

[11] - الفكون، منشور الهداية، ص 127-130..

author-img

تاريخ الجزائر الثقافي وآدابها

Comments
No comments
Post a Comment
    NameEmailMessage