JavaScript is not enabled!...Please enable javascript in your browser

جافا سكريبت غير ممكن! ... الرجاء تفعيل الجافا سكريبت في متصفحك.

الرسائل الديوانية في الدولة الموحدية 3

 تابع رسائل البيعة

وبالعودة إلى رسائل البيعة في الدّولة الموحّديّة، نجد رسالة الكاتب أبي جعفقر ابن عطيّة التي وجّهها إلى القاضي أبي القاسم يخبره فيها بوصول وفد بيعة الفقيه القاضي أبي القاسم محمّد بن الحاج جاء فيها: «وقد وصَلَنا أخوكم الشّيخ الجليل أبو محمّد، وابنكم أبو الحسن، وصاحبكم الشّيخ الكاتب أبو عبد الله بن زرقون – أكرمهم الله بتقواه – فأدّوا من حقّ هجرتهم ما قلّدوه، ونالوا من خير الزّيارة والبيعة ما اعتمدوه؛ ثمّ انصرفوا مبرورين مسرورين بما ألقوه من بركة هذا الأمر الكريم ووجدوه»[1]

ولا شكّ أن هناك رسائل أخرى تتضمّن موضوع البيعة، سواء من إنشاء أبي جعفر ابن عطيّة أو غيره، وهي نماذج تبرز التزام الخلفاء الموحّديّين بشروط البيعة كشرط من شروط قيام الخلافة، وولاية العهد، ومن ذلك رسالة كتبها ابن عطيّة عن الخليفة عبد المؤمن برباط الفتح إلى الطّلبة بسبتة وطنجة وجميع من بها من الموحّدين والأعيان، والعامّة والخاصّة يعلمهم بالقرار الذي اتّخذته العشائر العربيّة الهلاليّة والقبائل المقيمة بشرق المغرب – مناطق تونس وغيرها – بتقديم محمّد بن الخليفة عبد المؤمن وليًّا للعهد: «وكانت هذه العشائر العربيّة الهلاليّة، والقبائل الشّرقيّة الصّنهاجيّة، ومن معها من حاضرة وبادية من إقليمها ... صرّحوا لأوّل لقائهم بما أضمروه، وأبدوا سرّهم المكنون وأظهروه، وأعلموا أنّ محمّداً – وفّقه الله – هو الذي ارتضوه لحمل عبئهم وتخيّروه، ورغبوا في تقديمه على بلادهم»[2]

2 – رسائل الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر:

من هذا الصّنف كتاب الخليفة عبد المؤمن الذي أنشأه أبو جعفر وهو موجّه إلى الطّلبة بالعدوة الأندلسيّة، وجميع من بها من الموحّدين، المؤرّخ في السّادس عشر من شهر ربيع الأوّل من عام 543ه، وهو من الكتب النّادرة التي أرّخت في صدر الرّسالة مخالفة ما جرت به العادة في الكتب الدّيوانيّة[3]، وجعل ابن عذارى سبب كتابتها أنّ أخوي المهدي بن تومرت عيسى وعبد العزيز تعدّيا على النّاس، وتجاوزا حدود الشّرع، أثناء وجودهما بإشبيلية، فكثر القتل في النّاس وإباحة المنكرات والمحرّمات[4].

وممّا جاء في الرّسالة قوله: «وتصلكم طيّ كتابنا هذا نسخة كتاب خاطبنا بمثلها كلّ جهة من جهات الموحّدين – وفّقهم الله – فيما قرب وبعد، وحمّلناها من الوصايا ما نرجو أن يعين على أمر الله ويعضد، ورأينا إنفاذها إليكم لتنالوا من بركاتها ما تجدون إثره قريباً، وتحوزون من خيره حظًّا وافراً ونصيباً، فاشكروا الله تعالى على ما وهبكم من فضله، وخصّكم به من عميم طَوله»[5].

3 – رسائل الاعتداءات والشّكايات:

وهو نوع آخر من الرّسائل التي كان ينشئها الكاتب بطلب من الخليفة لفضّ بعض النّزاعات، والتّنديد بالاعتداءات على الرّعيّة، وهي توظّف أسلوبي التّرغيب والتّرهيب، أملاً في إيجاد حلّ للنّزاعات والاستجابة لمختلف الشّكايات، وفي نفح الطّيب نماذج منها، فقد ذكر المقّري أنّ الأمير أبا الرّبيع الموحّديّ[6] بعث رسالة إلى ملك السّودان بغانا تتضمّن شكاية التّجار المغاربة من العراقيل التي تعترضهم في الأراضي الغانيّة: «نحن نتجاور بالإحسان وإن تخالفنا في الأديان، ونتّفق على السّيرة المرضية، ونأتلف على الرّفق بالرّعيّة، ومعلوم أنّ العدل من لوازم الملوك في حكم السّياسة الفاضلة، والجور لا تعانيه إلّا النّفوس الشّرّيرة الجاهلة، وقد بلغنا احتباس مساكين التّجّار ومنعهم من التّصرّف فيما هم بصدده، وتردّد الجلابة إلى البلد مفيد لسكّانها، ومعين على التّمكّن من استيطانها، ولو شئنا لاحتبسنا من في جهاتنا من أهل تلك النّاحية، لكنّا لا نستصوب فعله، ولا ينبغي لنا أن ننهى عن خلق ونأتي مثله والسّلام»[7]

ومن رسائل الشّكاوى رسالة في عصر الموحّدين تلك التي تتحدّث عن عمليّة تزوير العملة، وهي من الرّسائل التي رفعت من داخل السّجن يذكر صاحبها مشكلته ويعرض قصّته قائلاً: «بينما أنا أمشي ... لبعض شأني، ولأمر يهمّني ... إذ رأيت المحتسبين أحدقوا برجل من الحدّادين وجدوا عنده حلقات زعم زاعم أنّها تصلح أن تصنع بها الدّراهم، فلمّا سئل ذلك الحدّاد عن صاحبها وكلّف التّعريف بسشائلها ... اتّهمني ظلماً وتعدّياً ... وكان  كالغريق بما رأى يتعلّق، فسجنّا جميعاً ... ثمّ إنّ نظركم اقتضى أن يطلق الحدّاد ... وقبلت عليّ دعواه ... فأرغب من طولكم - أعزّكم الله - أن تنظروا في أمري نظر من  يتوخّى الصّواب والسّداد، ويذكر إذا قصد قضيّة في رعيّته المعاد»[8]

4 – رسائل التّوقيعات:

التوقيعات مشتقة في اللغة من التوقيع الذي هو بمعنى التأثير، يقال: وقَّعَ الدَّبرُ[9] ظهرَ البعير إذا أثر فيه، وكذلك الموقِّع، أي: كاتب التوقيع، يؤثر في الخطاب، أو الكتاب الذي كتب فيه حسّا أو معنى[10].
وقيل: إن التوقيع مشتقٌ من الوقوع؛ لأنه سبب في وقوع الأمر الذي تضمنه، أو لأنه إيقاع الشيء المكتوب في الخطاب أو الطلب، فتوقيع كذا بمعنى إيقاعه[11].

قال الخليل[12]: "التوقيع في الكتاب إلحاقٌ فيه بعد الفراغ منه، واشتقاقه من قولهم: وقّعْتُ الحديدة بالميقعة، وهي المطرقة: إذا ضربتها، وحمار موقَّع الظهر: إذا أصابته في ظهره دَبَرَةٌ. والوقيعة: نُقْرَةٌ في صخرة يجتمع فيها الماء، وجمعها: وقائع. قال ذو الرمة:

ونلْنَا سِقَاطًا من حديثٍ كأنـَّـهُ   جَنىَ النحلِ ممزوجًا بماءِ الوقائعِ

فكأنه سُمِّى توقيعًا؛ لأنه تأثير في الكتاب، أو لأنه سببُ وقوع الأمر وإنفاذه، من قولهم: أوقعت الأمر فوقع[13] [6].

أمّا التّوقيع – في الاصطلاح – فهو فنّ نثريّ له صلة بالرّسائل من حيث المضمون، فإذا كانت الرّسالة تتضمّن مطلباً يراد تحقيقه، فإنّ التوقيعات – مع إيجازها – تعدّ جواباً للرّسالة، وتتميّز بالإيجاز ودقّة الفكرة، وكان ظهور هذا الفنّ في عصر الفاروق عمر بن الخطّاب – رضي الله عنه – إبّان الفتوحات الإسلاميّة، ومن أمثلة التّوقيعات في العصر الأمويّ ما يلي:

-       كتب ربيعة بن عسل اليربوعيّ إلى معاوية بن أبي سفيان – رضي الله عنه – يسأله أن يعينه على بناء دار له بالبصرة باثني عشر ألف جذع من النّخل، فوقّع معاوية على رسالته بقوله: "أدارك في البصرة أم البصرة في دارك؟".

-       كتب قتيبة بن مسلم إلى سليمان بن عبد الملك يتهدّده بالخلع، فوقّع سليمان بقوله: والعاقبة للمتّقين"

-       كتب بعض عمّال عمر بن عبد العزيز – رضي الله عنه – إلية يستأذنه في أن يرمّمّ أو يصلح من شأن المدينة، فوقّع عمر بقوله: ابنها بالعدل، وطهّر طرقها من الظّلم"[14]

يقول ابن خلدون: «ومن خطط الكتابة التّوقيع، وهو أن يجلس الكاتب بين يدي السّلطان في مجالس حكمه وفصله، ويوقّع على القصص المرفوعة إليه أحكامها والفصل فيها، متلقّاة من السّلطان بأوجز لفظ وأبلغه، فإمّا أن تصدر كذلك، وإمّا أن يحذو الكاتب على مثالها في سجلّ يكون بيد صاحب القصّة، ويحتاج الموقّع إلى عارضة من البلاغة يستقيم بها توقيعه»[15]

فكان توقيع الخليفة عليها كما يلي: ﴿الآنَ وقَدْ عَصَيْتَ مِنْ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ﴾

فَعَفْواً أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ فَمَنْ لَنَا      بِرَدِّ قُلُوبٍ هَدَّهَا الْخَفَقَانُ

عَطْفاً عَلَيَّ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ فَقَدْ    بَانَ الْعَزَاءُ لِفَرْطِ الْهَمِّ وَالْحَزَنِ

قَدْ أَغْرَقَتْنَا ذُنُوبٌ كُلُّهَا لُجَجٌ    وَرَحْمَةٌ مِنْكُمْ أَنْجَى مِنَ السُّفُنِ

وَصَادَفَتْنَا سِهَامُ الْبَيْنِ عَنْ غَرَضٍ    وَعَطْفَةٌ مِنْكُمُ أَوْفَى مِنَ الْمِحَنِ

ومن ذلك في العصر الموحّدي ما جرى للكاتب أبي جعفر ابن عطيّة الذي بعث – وهو في السّجن برسالة مرفوقة قصيدة يستعطف بها الخليفة عبد لمؤمن منها قوله[16]:

فَعَفْواً أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ فَمَنْ لَنَا      بِرَدِّ قُلُوبٍ هَدَّهَا الْخَفَقَانُ

عَطْفاً عَلَيَّ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ فَقَدْ    بَانَ الْعَزَاءُ لِفَرْطِ الْهَمِّ وَالْحَزَنِ

قَدْ أَغْرَقَتْنَا ذُنُوبٌ كُلُّهَا لُجَجٌ    وَرَحْمَةٌ مِنْكُمْ أَنْجَى مِنَ السُّفُنِ

وَصَادَفَتْنَا سِهَامُ الْبَيْنِ عَنْ غَرَضٍ    وَعَطْفَةٌ مِنْكُمُ أَوْفَى مِنَ الْمِحَنِ

فكان توقيع الخليفة عليها كما يلي: ﴿الآنَ وقَدْ عَصَيْتَ مِنْ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ﴾ يونس: 91.

الهوامش والإحالات



[1] - مجموع رسائل موحّديّة، نشر بروفنصال، الرّسالة الثّانية، ص: 4.

[2] - مجموع رسائل موحّديّة، نشر بروفنصال، الرّسالة الثّالثة عشر، ص: 57. وأدب الرّسائل الدّيوانيّة في المغرب والأندلس، ص: 53.

[3] - الرّسائل الدّيوانيّة في المغرب والأندلس، ص: 74.

[4] - البيان المغرّب، ص: 38.

[5] - مجموع رسائل موحّديّة، نشر بروفنصال، الرّسالة الثّالثة، ص: 6.

[6] - أبو الربيع الموحدي سليمان بن عبد الله (- 604) ، ولي بجاية، وشارك في بعض الأعمال الحربية ضد ابن غانية بتونس؛ وقال الشقندي فيه إنه من مفاخر بني عبد المؤمن، كان قديرا على النظم حافظا للآداب، وله ديوان شعر (انظر الغصون اليانعة: 131 – 134)

[7] - المقّريّ، نفح الطّيب، 1/105.

[8] - خياري محمود محمّد عبد الرّحمن: رسائل موحّديّة جمعاً وتحقيقاً ودراسة، دكتوراه لغة وأدب عربيّ، كلّيّة الدّراسات العليا، الجامعة الأردنيّة، 1996، ص: 83.

[9] - الدَّبرُ: بفتح الدال والباء: قروح تصيب الإبل في ظهورها من جراء الحمل أو القتب.

[10] - الحسن اليُوسي: الأكم في الأمثال والحكم، جـ 2/220، جوجي زيدان: تاريخ اللغة العربية، ص25.

[11] - زهر الأكم في الأمثال والحكم، 2/220.

[12] - ابن السيد البطليوسي: الاقتضاب في شرح أدب الكتاب، 1/196.

[13] - انظر: تاريخ اللغة العربية، ص25.

[14] - ابن عبد ربّه، العقد الفريد، 5/393.

[15] - ابن خلدون، المقدّمة، ص: 247.

[16] - الأنيس المطرب، ص: 1896 – الإحاطة في أخبار غرناطة، 1/268 - نفح الطّيب 7/185 – كنون، ذكريات مشاهير رجال المغرب، 1/20. ويمكن مقارنة ما جاء في رسالة ابن عطيّة بالرّسالة الجدّيّة لابن زيدون.

author-img

تاريخ الجزائر الثقافي وآدابها

Commentaires
Aucun commentaire
Enregistrer un commentaire
    NomE-mailMessage