JavaScript is not enabled!...Please enable javascript in your browser

جافا سكريبت غير ممكن! ... الرجاء تفعيل الجافا سكريبت في متصفحك.

منشور الهداية في كشف حال من ادعى العلم والولاية 3

 تابع



وفي ترجمة محمّد الحاج الصّحراويّ يقول: «ومنهم محمّد الملقّب الحاج ... وكان في ابتداء أمره جعل الخلوة والعزلة وربّما يقال له الصّحراويّ، ثمّ إنّه أظهر أمره أهلُ البادية والأعراب، وتصدّى لرئاسة إعطاء العهد وخالط مشيخة الأعراب ورؤساءهم، ومبدأ ظهوره في ناحية الغرب في نواحي "القلعة"[1] ومسكنه قرية "مدوكدال"[2]، واتّخذ زوايا ورعايا تزكّي عليه ويأخذ منها الجبايا والأعشار، واعتقد فيه أهل القطر الغربيّ وناحية بسكرة وما حواليها، وأظهر ما أظهر غيره من الإعطاء والمنع والعزل والولاية، واتّخذ الطّلبة في بلده للاصطياد بهم على عادة أمثاله»[3].

كما أشار المؤلّف في هذا الفصل إلى ذكر الطّرق التي يتّخذها أدعياء الولاية في الاستيلاء على أرزاق النّاس، والمتاجرة بتعليم أبناء المسلمين، واتّخاذ العوائد والأتباع، والملاحظ أيضاً أنّه يفضح بعض الجماعات التي كانت تساهم، في تشجيع ذلك، مثل جماعة غمريان، وجماعة العلمة، وجماعة ريغة، وفي هذا الفصل نجد ذكراً لما يقوم به بعض المتلصّصة وذكر الثّورة التي قامت نواحي نقاوس، ومن الذين ترجم لهم وذكر حيلهم وكشف تلبيساتهم التي موّهوا  بها على العامّة، علي بن حمّود، ومحمّد ساسي  البوني وأحمد بن بوزيد، وأحمد بن سليمان المجدوب، ومحمّد البلديّ، وعبد الله بوكلب  ... وهو في ذلك كلّه يستشهد بأبيات لابن البنّا السّرقسطي وقدسيّة الأخضريّ.

يقول مثلا في ترجمة محمّد ساسي البوني: «ادّعى مقام الأكابر من الأولياء، فيذكر في شعره الخان والدّنان، ويزعم أنّه شرب من كأس الصّفوة، وجلس على بساط القرب، وحصلت له ترقيات، وغير  ذلك من قصائده التي تكاد الجبال أن تدكّ لسماعها دكًّا، ولقد جاء شيئاً إدًّا، فلم يستح من المولى جلّ  جلاله في دعواه الكاذبة وترّهاته الباطلة التي لا دليل عليها ولا وازع ورع يكفّ عن محارم الله يهدي إليها ... ومن أشنع ما حكي عنه أنّه قال: كنت صاحب الخضر واليوم أنا سيّده، قال هذا الكلام في جملة كلام غنّى به، فانظر هذه الكلمة الشّنيعة التي توجب هدر دمه»[4]

خاتمة الكتاب: في ذكر من أردنا ذكره من الأصحاب والأحباب

لا شكّ أن خاتمة الكتاب تختلف عن فصوله، لأنّها لا تكشف حال من ادّعى العلم والولاية، بل هي مخصّصة لذكر من ّأسماهم الأصحاب والأحباب، ومن هؤلاء "الشّيخ بلغيث القشّاش" و"محمّد بن علي الزّواوي"، و"محمّد الموهوب" و"محمّد وارث الهاروني"، و"علي بن ثلجون"، و"محمّد البوقلمانيّ" وأحمد بن الحاجة،  وغيرهم، وفيها أيضاً حديث عن لصوص زواوة حيث ذكرهم في ترجمة "محمّد الموهوب" ولد بن علي الزّواوي، وفيه يقول: «وطريقتهم المألوفة أنّهم يتردّدون مع القوافل والسّفّار المجتازين ببلادهم لكي يأمنوا من مكر أهل ذلك الوطن، إذ هم لصوص الغالب عليهم استلاب القوافل والسّفّار واستئصال أخذهم إلّا أن يكون معهم من أولاده أحد، وربّما اضطرّه الأمر إلى الوقوف بنفسه في الأمر المهمّ في كثير أموال أو عظيم قفل لابدّ فيه من وجاهة»[5]

وفيها حديث عن مرضه المزمن الذي لازمه أكثر من ثلاث سنوات، بدءا من 1025هـ (1616م)، وكان سبباً لتأليفه ديواناً في المديح النّبويّ مرتّباً على حروف المعجم، حيث أشار إليه في ترجمة الشّيخ أبي الحسن علي بن عثمان الشّريف الذي قدم عليه بقصد القراءة فألفاه مريضاً، يقول: «ووجدني بحال مرض أعيى الأطبّاء دواؤه وتمكّن من قلبي  وأزمن وأنهكني، وكلّ يوم يرد عليّ نوع تظهر لي منه حالة الموت، فلا ترى الأهل والأصاغر إلّا في بكاء ونحيب، وأيس منّي البعيد والقريب، ولم يبق لهم حديث إلّا في تجهّزي لدار الآخرة وما ينالهم بعدي، وتأسّف كلّ محبّ لله وبقيت في عنفوانه   وابتدائه سنة كاملة لا اكتحل بنوم ولو سنة حتّى ساعة سهو، والعرق يتفصّد منّي من الجبهة كمثل   الدّيمة الهطلاء[6]، في اليوم الشّديد البرد الكثير الثّلج نازلا ومستقرًّا»[7].

كما نجد الفكّون يجيز عليّ بن عثمان المذكور رغم ما كان به من المرض، وقد لازمه (نعني به عليًّا بن عثمان الشّريف) نحواً من نصف  سنة أو أقل وذلك بعد إلحاح منه: «فلمّا رأيت من حرصه ما رأيت ساعفته واستعنت بالله، فقرأ عليّ المكوديّ، واستعان بالتّقييد، وبعد ختمه قرأ عليّ المراديّ وقيّد عليّ فيه كثيراً ممّا فتح الله به من الأبحاث، ولم يكن معه قبل قراءته شيء يعتدّ به من العربيّة، فلم ينفصل من عندي – والحمد لله إلّا وهو نجيب فيها، فأجزته بعد طلبه، وانصرف، وهو الآن صاحب درس عظيم، على ما بلغني، وأصحاب كثيرة، وأقبلت عليه الدّنيا، وصار يطعم الطّلبة من عنده – نفعنا الله بما قرأ»[8].

كما يذكر قضيّة عائليّة له مع "حميدة بن باديس" الذي ترجم له في الخاتمة، وهو أخو محمّد أبي عبد الله بن أبي زكريّا يحيى ابن باديس، وكان الفكّون قد أنشأ له خطبة استفتح بها صلاة الجمعة الأولى فجاءت حسنة بليغة في معناها، غير أنّه ترك محبّته «وذلك بموت زوج ابنه، وكانت أخت والدتي، وتركها وإخوتها جدّي إلى نظري، ولم تزل والدتهم في كنفي أدبّ عليها بما أقدر عليه، فصاهرته الأمّ بالابنة المذكورة وأخرجت لها جهازاً شاطًّا على ما نابها في إرثها من والدها ومن ورثته من إخوتها، على ما ذكرت والدتها، وأودعت الوالدة في الزّائد، ولا علم لي بذلك إذ ذاك، فلمّا استظهرَت به زاد في البعد وأظهر الأنف»[9].

وهناك مسألة أخرى حظيت باهتمام الفكّون، وهي مسألة الصّلح بين الجزائر وتونس[10]، حيث أشار إلى أنّ أحمد بن الحاجة اجتمع مع أبي إسحاق إبراهيم الغريانيّ القيروانيّ[11]، وأبي محمّد تاج العارفين[12] حفيد أبي بكر الأمويّ، «وكان خروج المذكورين رسلاً من قبل عسكر تونس قاصدين الصّلح مع عسكر الجزائر في الواقعة التي وقعت بينهما في عام سبعة وثلاثين وألف، وكان أبو العبّاس (يقصد ابن الحاجة) صاحبنا المذكور ممّن توجّه مع عساكر الجزائر المحميّة، فتذاكر السّيّدان مع حبيبنا أبي العبّاس، شأني وما أنا عليه من طباع جبلني الله عليها هي عند صاحبنا المذكور حسنة، والله يعلم المفسد من المصلح، جزاه الله عليّ بنيّته خيراً ووالى عليه أجراً، وجعلني له في المعاد ذخراً »[13]

وقد تمّ الصّلح بين الطّرفين بحضور أعضاء من الوفد التّونسيّ وهم: تاج العارفين البكريّ، وإبراهيم الغريانيّ، ومحمّد العامريّ، وعلي الشّرقيّ، ومحمّد الأندلسيّ، والحاج عون الله، وأعضاء من الوفد الجزائريّ الذين لا نعرف منهم سوى أحمد بن الحاجة، هذا الأخير الذي حمل معه رسالتين للفكّون: إحداهما من تاج العارفين والأخرى من إبراهيم الغرياني، وقد أثبتهما الفكّون في مؤلّفَيه: محدّد السّنان، ومنشور الهداية، وقد ختم الغرياني رسالته بقصيدة منها قوله[14]:

شَيْخٌ فَقِيهٌ وَلِيٌّ عَالِمٌ عَلَمٌ       بِهِ افْتِخَارِي وَعَهْدِي عَنْهُ لَمْ يَحُلِ

سَأَلْتُهُ يَنْظُرَنْ دَهْراً فَهَوَّلَنِي      عَسَى بِذَا دَائِماً أُبْدِي لَهُ كَسَلِي

رَبِّي يُنِيلُ مُرَادِي إِنَّنِي لَهِجٌ        فِي قُرْبِهِ وَمُرَادِي نَلْتَقِي أَمَلِي

لِأَنَّهُ فَاضِلٌ فَاقَ الْمُنَاظِرَ فِي     كُلِّ الْمَكَارِمِ مِنْ جَارٍ وَمُرْتَحَلِ

فِي دَهْرِنَا هُوَ عِزُّ اللّائِذِينَ بِهِ        وَلَمْ يُعَوِّلْ بِدُنْيَاهُ عَلَى رَجُلِ

فَإِنْ نَحَا بِبَيَانٍ جَلَّ مَنْطِقُهُ       وَإِنْ تَكَلَّمَ فِي التَّوْحِيدِ فُلْ وَسَلِ

مُؤَرِّخٌ فَاضِلٌ بِالْفِقْهِ مُتَّزِرٌ        مُحَدِّثٌ بِحَدِيثٍ صَحَّ فِي الْأُصُلِ

وَهْوَ الذِي تُبْرِئُ الْأَسْقَامَ دَعْوَتُهُ   وَيُنْعِشُ الرُّوحَ بِالْآيَاتِ عَنْ عَجَلِ

وَفَضْلُهُ شَاعَ بَيْنَ النَّاسِ مُشْتَهِراً    كَالْبَدْرِ يَعْلُو لَنَا لَكِنْ بِلَا أَفَلِ

وفي خاتمة منشور الهداية ترجمة لأبي العبّاس المقّريّ وذكر لمسائل جرت له مع المؤلّف نشير إليها فيما بعد، وما يهمّنا الآن هو ما جرى بين المقّريّ وسعيد قدّورة فقد «سأله عالمها (يعني مدينة الجزائر) وخطيبها حبيبنا لله تعالى أبو عثمان سعيد بن إبراهيم الملقّب ب"كدّورة" (بالكاف)، وبيني وبينه محبّة ورسائل، نفعنا الله بما فيها، فأرسل إليه لغزاً في (هاج الصّنبر) نظماً، فأجابه، على ما قيل لي، بديهة لم يصادف المرام، فأعاد عليه السّؤال، فتفطّن وأبدع في المقال، وهو مشهور متداول فيما بينهم، وأجابه جواباً جيّداً موافقاً للسّؤال قافية ونصّه، بعد سطر افتتاحه: أبدراً (    [15].

الهوامش والإحالات



[1] -  لعلّها قلعة  بني حمّاد.

[2] - تقع أمدوكال بالقرب من بريكة.

[3] - الفكون، منشور الهداية، ص 142.

[4] - الفكون، منشور الهداية، ص 164-165.

[5] - الفكون، منشور الهداية، ص: 201.

[6] - يقول امرؤ القيس:

دَيمَةٌ هَطلاءُ فيها وَطَفٌ     طَبَّقَ الأَرضَ تُجَرّى وَتُدِر

[7] - الفكون، منشور الهداية، ص 205-206.

[8] - نفسه، ص: 207.

[9] - نفسه، ص: 212.

[10] - سنعود إلى حادثة السّطارة أثناء دراستنا لتقييدات ابن المفتي.

[11] - إبراهيم بن عبد اللّطيف الجديديّ الغريانيّ القيروانيّ، بعث برسالة إلى الفكّون، منها قصيدته التي تبلغ ثلاثاً وأربعين بيتاً، مطلعها:

هل من يبلّغ ذات الحلي والحلل     سلام صبّ يلي بالهجر والخلل

(الفكّون، منشور الهداية، 218)

[12] - محمّد تاج العارفين بن أبي بكر بن أحمد  العثمانيّ، من سلالة عثمان بن عفّان – رضي الله عنه –  وينتسب إلى أبي بكر دفين المنيهلة، أوّل من تولّى الإمامة بجامع الزّيتونة من هذا البيت، وكان ذلك في سنة (1034هـ/1624م)، أثبت له الفكّون رسالة في منشور الهداية حول الصّلح المذكور، (ترجمته في تراجم المؤلّفين التّونسيّين لمحمّد محفوظ، 1/116 – حسن حسني عبد الوهاب، كتاب العمر في المصنّفات والمؤلفين التّونسيّين، 820 – النّيفر، مسامرات الظّيف، 1/218 - ونصّ الرّسالة في منشور الهداية: ص 215).

[13] - نفسه، ص: 214-215.

[14] - نفسه، ص: 221-222.

[15] - نفسه، ص: 223-224.

author-img

تاريخ الجزائر الثقافي وآدابها

Kommentare
Keine Kommentare
Kommentar veröffentlichen
    NameE-MailNachricht