JavaScript is not enabled!...Please enable javascript in your browser

جافا سكريبت غير ممكن! ... الرجاء تفعيل الجافا سكريبت في متصفحك.

الرسائل الديوانية في الدولة الموحدية 4

 5 – المعاهدات:

لم بكتف الموحّدون بإبرام المعاهدات بينهم وبين القبائل المجاورة، بل تعدّوا ذلك إلى مناطق بعيدة عن جنوب المغرب الأقصى، وحتّى عن مراكش، فعلاقاتهم بالدّول النّصرانيّة لم تكن دائماً عبارة عن معارك، حيث اتّسمت في فترات كثيرة بعلاقات ودّيّة، فخلال سنة 564ه طلب فرناندو الثّاني وهو ملك ليون من قادة الموحّدين بحاضرة إشبيلية السّماح له بالدواز إلى العدوة المغربيّة، وبعد أن تمّ له ذلك عاهد الخليفة يوسف بن يعقوب على الصّلح[1].

واستمرّت المعاهدات الموحّديّة مع مختلف الممالك النّصرانيّة بعد هزيمة معركة العقاب سنة  (609ه)، لكن تحت ضغط الممالك النّصرانيّة، الأمر الذي جعل الخليفة المأمون يسمح لهم ببناء كنيسة في مدينة مرّاكش، كما طلب"البابا أينوصال الرّابع" من الخليفة المرتضى التّنازل له عن بعض الحصون التي تعيش فيها الجاليات المسيحيّة، فوافق الخليفة على طلب البابا وبعث إليه برسالة منها: «... ومتى سنح لكم – أسعدكم الله تعالى – بتقواه أن توجّهوا لهؤلاء النّصارى المستخدمين ببلاد الموحّدين – أعزّهم الله – من ترونه برسم ما يصلحهم ويجريهم على معتاد قوانينهم، فتخبروه من أهل العقل الرّاجح ... وأنتم تفون بهذا المقصود فيما تعلمون من اختياركم متى ظهر لكم التّوجيه بهذا الرّسم»[2]

وأمّا الممالك الإيطاليّة – بيشة وجنوة – فقد كانت تربطها علاقات ودّيّة مع دولة الموحّدين، فبعد انهزام الأسطول البيشيّ على يد الجنويّين، اضطرّ البحّارة البشيون إلى النّزول بمرسى جيجل[3] بالمغرب الأوسط نظراً لرداءة الطّقس، فقبض عليهم وتمّ أسرهم بسجن بمدينة جاية، وفي اليوم الرّابع من شهر رجب عام 651ه، وفد "كوكو كريفي" القنصل البيشي إلى مراكش فاستقبله الخليفة يوسف وأطلق سراح البحّارة البيشيين، وأعاد للقنصل حقّ امتلاك فندق بلاده بمنطقة المهديّة[4] بالمغرب الأدنى، وعاد القنصل إلى بلاده محمّلاً بالهدايا[5] 

6 – رسائل الجهاد:

رسائل الجهاد تصدر عن ديوان الخليفة، وهي التي يبشّر بها الرّعيّة بانتصار الجيش الموحّديّ مثلا في معركة معيّنة، أو فتح مدينة من المدن الجديدة ودخولها حديثاً تحت الرّاية الموحّديّة، وما إن يتمّ الفتح الجديد أو الانتصار على الصّليبيّين حتّى يطلب من كاتب الدّيوان الإسراع بتحبير رسالة يبشّر من خلالها بهذا الانتصار، ويصف الحملة كما يصف سيرها، ولم يكن هذا الصّنف من الرّسائل يصدر من ديوان الخليفة، أو الأمير فقط، بل كان يرفع إلى المقام العالي بالحضرة من طرف قائد الحملة نفسه، وكان رقّاص الشّرط، وهو حامل البريد المستعجل، يجد في كلّ مدينة حصاناً مسرّجاً ملجّماً يمتطيه إلى المدينة التي تليها، ثمّ يمتطي حصاناً آخر تاركاً وراءه الحصان السّابق[6].

ومن رسائل الجهاد تلك التي وجّهها الخليفة عبد الله العادل[7] بعد خلع عمّه عبد الواحد ابن يوسف ابن عبد المؤمن، عام 621هـ، يخبرهم بتجمّع المجاهدين بحضرة مراكش، وهم ينتظرون إخوانهم الآخرين من المجاهدين للجواز إلى العدوة الأندلسيّة، دون أن ينسى الدّور الذي لعبه أهل الجزيرة في أسبقيّتهم لجهاد النّصارى وحماية الحصون والمدن الإسلاميّة[8]، يقول:«وهاهم – بحمد الله - قد انتظم شملهم واتّصل حبلهم واجتمعت أهواؤهم، واتّفقت على إعزاز كلمة الحقّ راؤهم، وحلّوا بدار الموحّدين[9] ومطلع الخلفاء الرّاشدين المهتدين، حيث الجموع وافرة،، والأعداد متكاثرة، وطائفة الحقّ متعاضدة متظاهرة، وذلك حلول استدعاء واستنفار، لا حلول إقامة واستقرار، عازمين على الجهاد، والله تعالى يمضي عزائمه، ويجبرهم على جميل معتقداتهم على جهاد  أعداء الله  الكفّار، فاعلموا - وفّقكم الله على ذلك – والله يبلغكم مالكم والسّلام عليكم»[10]

ومن الأمثلة الكثيرة لرسائل الجهاد، تلك التي بعث بها الخليفة عبد المؤمن إلى أهل مراكش يخبرهم بانتصار الجيش الموحّديّ على جماعة آبلة[11]، وهي من إنشاء أبي القاسم القالميّ[12]، جاء فيها: « وقد كان مقامنا بهذه الجزيرة – مهّدها الله – لتتميم المقصود فيها من إظهار الدّين ونصر الملّة ومرابطة في مصاقبة العدوّ – قصمه الله – وفي مهلة النّظر في حسم دائها، واستباحة أعدائها، بلغنا أنّ رجالاً من ذميمي النّصارى – وقمهم الله – من أهل بلة وما أخذ أخذها ومن انضاف إليهم من الإفريرين وغيرهم – كبت الله جميعهم – قاصدون قصد هذه الجهة – كلأها الله - وقد وقعت الاستفاضة وحصل العلم بأنّ أهل بلة حمة النّصارى وحماتهم، ورؤساؤهم وكماتهم، وجمرتهم الملتهبة، وحوزتهم المتغلّبة، والشّوكة التي لم يحصدها قطّ حاصد، والشّجرة الملعونة التي لم يقصدها على مدّ الدّهر قاصد، وإنّهم بما خبأ الله فيهم لأولي أمره، وأولياء نصره، سوّلت لهم أنفسهم الخائنة الخروج إل الغارة بهذه الجهات – كلأها الله – تخيّلاً منهم أنّ جنود الله الموحّدين قد تفرّقت ذاهبة وسرحت قافلة، وانتهاراً منهم بزعمهم للفرصة قبل احتفال الجنود والاحتشاد لوقت الغزو، فاستمرّوا مصمّمين وتهوّدوا مقدّمين، وما زالوا يتقدّمون إلى حتفهم، وتنضرب أسداد الغيّ من بين أيديهم ومن خلفهم، مغالطين بالجرأة، متخمّطين بالبسالة، خارقين لحجاب المهابة، ناكبين عن سمت الإصابة، إلى أن بلغوا هذه البلاد – حماها الله – وأجازوا الوادي الكبير بين قرطبة وإشبيلية، واكتسحوا جملاً من الغنم كثيرة بجهة أستجّة؛ ثمّ عطفوا عل الموضع المعروف بالكنبانيّة من قبلي قرطبة وجعلوا ذلك طريقهم إلى منتور»[13]

وهذا الفتح – وفّقكم الله وأعانكم – وإن كان عظيماً في نفسه، عالياً في جنسه، فإنّه للفتوح الزفة مفتاح، وبين يدي السّعي فيها مصباح؛ وإنّه رائد الفتوح المنتظرة، وعنوان الخيرات الميسّرة، ونازل من الفتوح الآتية بمحلّ الباكر من الثّمرة، لما أشرب فيه أولياء الله وأنصار الحقّ وجنود الأمر وحماة الإسلام وأحزاب الدّين من ريح الفتح وجدّوا من عزّ الغلب، واستحلوا من مدامة النّصر وتوطّأ لهم من طريق الظّفر الرّوم، وتذلّل لهم من مركب الرّوم، إذ عرفوا ذوقهم، وساقوا سوقهم، ولم يبق لهم في نفوسهم قدر مقاومة ولا محلّ مراقبة، ولمّا خامر الرّوم – قصمهم الله – من الرّعة والرّوع وانفتح عليهم من أبواب الخطوب وتوجّه إليهم من جنود الرّعب، وباؤوا به من ذلّ الغلب، وسوء المنقلب ...

الهوامش والإحالات



[1] - ينظر: المنّ بالإمامة، ص: 284 – البيان المغرب، ص: 104 - الرّسائل الدّيوانيّة في عصر الموحّدبن، ص: 94.

[2] - خياري محمود محمّد، مرجع سابق، ص: 37.

[3] - جيجل  مدينة ساحليّة تقع في شرق المغرب الأوسط، تبعد عن مدينة الجزائر بـ 360 كلم.

[4] - المهديّة مدينة ساحليّة من مدن المغرب الأدنى (تونس)، أمر ببنائها عبيد الله المهديّ جدّ الخلفاء الفاطميّين بمصر، عام 303هـ، (الرّوض المعطار، مادّة المهديّة، الاستبصار، 117).

[5] - ينظر: التّاريخ السّياسيّ للمغرب العربي الكبير، 6/174.

[6] - ينظر: خياري محمود، رسائل موحّديّة، ص: 50.

[7] - هو أبو  محمّد عبد الله بن يعقوب المنصور بن يوسف بن عبد المؤمن  الملقّب بالعادل، بويع عام  621هـ، وتوفّي عام 624هـ، (ينظر: الأنيس المطرب، ص: 245-247 – البيان المغرب (قسم الموحّدين)، ص: 270 – تاريخ ابن خلدون، 6/527.

[8] - ينظر: خياري محمود، أدب الرّسائل الدّيوانيّة، ص: 106-107.

[9] -  يقصد مراكش.

[10] - ابن عذارى، البيان المغرّب قسم الموحّدين، ص: 271.

[11] - آبلة مدينة من المدن الأندلسيّة، ثمّ أصبحت تابعة للمملكة الإسبانيّة، وتسمّة اليوم Alava.

[12] - هناك اختلاف حول الرّسالة، سواء من جهة الكاتب أو الخليفة، فقد نسبها بروفنصال إلى القالمي ونقلها عنه عبد الوهاب بن منصور، مع أنّ الرّسالة مبتورة الأوّل والآخر، ثمّ تنبّه عند دراسته لها واعتماده على كتاب "المنّ بالإمامة لابن صاحب الصّلاة، والبيان المغرّب لابن عذارى، فتدارك الخطأ الذي وقع فيه من قبل ونسبها إلى الخليفة يوسف بن عبد المؤمن؛ لأنّ انتصار الموحّدين على جماعة آبلة قرب قلعة رياح حدث عام 668هـ،  

[13] -  بوفنصال، مجموع  رسائل موحّديّة، الرّسالة الثّانية والعشرون، ص: 122.

author-img

تاريخ الجزائر الثقافي وآدابها

Kommentare
Keine Kommentare
Kommentar veröffentlichen
    NameE-MailNachricht