JavaScript is not enabled!...Please enable javascript in your browser

جافا سكريبت غير ممكن! ... الرجاء تفعيل الجافا سكريبت في متصفحك.

ترجمة محمد البشير الإبراهيمي

 ترجمته



ولد الشيخ محمد البشير الإبراهيمي يوم 14 جوان من عام 1889م برأس الوادي نواحي سطيف، اسمه الكامل هو محمد البشير الإبراهيمي بن محمد السعدي طالب الإبراهيمي، من أسرة علم وتقوى، درس الكثير من أجداده في الأزهر الشريف[1]، كان مفكرا ومصلحا وسياسيا محنكا، كان شاعرا وخطيبا، إلى جانب عمله بالتفسير والحديث وعلومه بالفقه[2]، درس ب"جامع الأزهر" بالقاهرة وأقام بها ثلاثة أشهر، وفي هذه الفترة حضر دروسا بالأزهر ولاقى كبار علمائه؛ إذ استمع إلى الشيخ سليم البشري، وحضر دروس الشيخ "بخيت المعطي"، ثم انتقل إلى "دار الدعوة والإرشاد"، والتقى ب"محمد رضا"، ثم توجه إلى المدينة ليستأنف العلم في حلقات الحرم النبوي 1917م، ثم استقر بدمشق، وأواخر عام 1920م عاد إلى الجزائر[3].

وكان للإبراهيمي رؤيتان اثنتان: المغرب العربي والمشرق العربي بأصدائه البعيدة وأروقته وقبابه ومعاهده، وباختصار، كعالم تنتمي إليه الجزائر[4]، وإثر عودته عمل على محاربة البدع والخرافات التي ألصقها أهل الطرق بالإسلام، وإحياء تعاليم الإسلام، وتعليم اللغة العربية، والعمل على ترقيتها وحمايتها، وترسيخ المبادئ[5]، وعلى هذا الأساس، ساهم البشير الإبراهيمي في تحرير جريدة "الشهاب"، لكنها كانت قليلة، حيث ترجع أولى مقالاته إلى شهر ماي 1929م.

وعين "الإبراهيمي" نائبا "لابن باديس"، وقد كلف بتأمين الدعاية الإصلاحية في الغرب الجزائري، ومركزه العلمي تلمسان، وبعد وفاة "ابن باديس" عين رئيسا لجمعية العلماء المسلمين، وذلك بالرغم من الإقامة الجبرية بآفلو بالأغواط[6] حيث سارت جل كتاباته في جرائد الجمعية صراعا عنيفا بين جمعية العلماء وإدارة الاحتلال الفرنسي، وشمل ميادين متنوعة منها ما تعلق بحرية المعتقد، ومنها ما تعلق بحرية التعليم، ومنها ما تعلق بالمحتل ذاته وجرائمه في حق الشعب الجزائري[7]، وساهم أيضا بإنشاء معهدين في تلمسان والعاصمة، وبفضله انتقل الكثير من الجزائريين للدراسة في جامعات المشرق العربي، واقترح عليه تولي منصب شيخ الأزهر فرفض خوفا أن يشغله عن قضية شعبه ووطنه حتى توفي في 20 ماي 1956م[8]، عن عمر يناهز 76 عاما.

مشروع الإبراهيمي النهضوي 

يُجمع تلامذة الإبراهيمي ورفقاؤه أن أهم ما كتب هو "عيون البصائر" أي الجزء الثالث من هذه الآثار، بما فيها من جهاد في سبيل الإسلام والعروبة في جزائر محتلة، وبما فيها من مقارعة الاستعمار على الصعيدين الديني والسياسي، وبما فيها من مناصرة لكل قضايا المسلمين مشرقا ومغربا، وخاصة قضية فلسطين، وبما فيها من روائع البيان العربي كسجع الكهان، ولكنني أرى أن محتويات الجزء الأول من هذه الآثار- وهي تمثل ما عثرنا عليه من آثار الإبراهيمي في أواخر العشرينات وفي الثلاثينات- لا تقل أهمية عن "عيون البصائر"، إذ تتجلى لقارئها معالم مشروع نهضوي تستحق التأمل:

في سنة 1920 - بعد الرحلة المشرقية الأولى التي دامت قرابة عشر سنوات، والتي أقام فيها بالمدينة المنورة ودمشق وزار القاهرة في مستهلها، وتونس في ختامها- عاد الإبراهيمي إلى وطنه، ووجده- كما تركه- يئن تحت وطأة الاستعمار والجهل والفقر والتخلف، وفي ذهنه مشروع نهضوي يدخل الأمة الإسلامية في دائرة التقدم والتحديث، وينطلق من الإسلام، لأن الإبراهيمي الذي تأثر بأفكار الأفغاني ومحمد عبده ورشيد رضا مقتنع أن في الإسلام علاجا لكل أمراض المجتمع، شريطة أن تستعمل الأسلحة الثلاثة في المعركة: العقل والعلم والعدل.

وقبل أن تستوفى الشروط لقيام حركة تشمل القطر، استقر بمدينة سطيف، وبدأ يطبق مشروعه بإنشاء مدرسة ومسجد، وحافظ على استقلاله بممارسة التجارة ورفض الوظيف، هذا على الصعيد العملي، أما على الصعيد النظري فألقى- سنة 1929 - محاضرة بعاصمة الجزائر تحت عنوان: "التعاون الاجتماعي، حدد فيها معالم مشروعه النهضوي في إطار النسق الإسلامي والذي يقوم على أعمدة أربعة: الدين والعلم والأخلاق والإقتصاد.

- الدين: " ... إنه دين الفطرة، ولا يرجع في أحكامه إلا إلى النص القطعي من كتاب محكم أو سنة قولية أو عملية متواترة، وأن كل ما ألصق بالدين من المحدثات فهو بدعة يجب اعتبارها ليست من الدين وإن تراءت في صورة ما يقتضيه الدين ... إن المعاملة مبنية على مراعاة مصالح البشر ونظام اجتماعهم العمراني، ولذلك كانت أغلب أحكام المعاملات المأخوذة من القرآن كلية قلَّ أن نعثر فيها على التفصيل، وإن الأنسب لسماحة الدين وبقائه وصلاحيته لكل زمان ومكان أن يكون للزمان والمكان والعرف والعادة والبيئة مدخل في تكييف أحكام المعاملات وتطبيقها على الحوادث الجارية ".

- العلم: "  البحث في أنواع العلوم التي تصلح لنهضتنا، فهو معدود من لغو الحديث، واحتياج الحي إلى العلم في هذا الزمن أصبح قرين احتياجه إلى الطعام".

- الأخلاق: "ولنا أساسٌ نبني عليه، ولا يعسر جد العسر إحياؤه هو الأخلاق الإسلامية المتوارثة، والتي نجد معظمها في القرآن في أوضح عبارة وأوضح بيان، ثم الأخلاق العربية المأخوذة من آدابهم التي هي أنفس ما خلفوه لنا من التراث".

- الإقتصاد: "  إن سوق المال اليوم معترك أبطال، وإن في جوانبه رماة ونحن الهدف، وإن مكان المال من الحياة مكان الوريد من البدن، وإن الزمان دار دورته، وقضى الله أن يصبح المال والعلم سلاحين لا يطمع طامع في الحياة بدونهما ... والذي تقتضيه الحكمة الهادئة لنحفظ أنفسنا من هذه المزاحمة المريعة هو تأسيس شركات التعاون بين الفلاحين وبين التجار لتقي الصغار من الجانبين شرَّ تحكم الأجانب في أملاكهم ومجهوداتهم، ثم تأسيس مصارف مالية صغيرة تكون واسطة بين الجميع وتكون مع ذلك مستودعا للأموال المخزونة المعطلة ومرجعا لصناديق التوفير والاحتياط التي يجب أن تصحب هذه الحركة".

هذا المشروع النهضوي الذي حدد معالمه الإبراهيمي عام 1929 ينطلق من وعي كامل أن الجزائر تنتمي إلى الحضارة الإسلامية، وأن في كل حضارة ثابتا ومتحولا، وأن المحافظة على الثابت هو حفظ للشخصية الوطنية من الاستلاب: "إن مشخصات الأمم منها جوهر ومنها عرض، وإن الجوهر منها هو الصالح للبقاء، وإنه لا يد للفرد وللجماعة في تكييفه كما يشاء أو كما تشاء، وأن تطوره موكول إلى تدبير الاجتماع لا إلى تدبير الجماعات، وأن العرض منها هو محل التبديل والتغيير، يصلح لزمن فيؤخذ، ولا يصلح لآخر فينبذ، فالمحافظة على جوهر المقومات ليست محافظة وإنما هي حفظ للقومية من الاندغام والتداخل وعماد لها أن تتداعى وتسقط، وأما الأعراض فهي قشور تتحول وتزول كأوراق الخريف توجد وتعدم، والشجرة شجرة.

وفي عام ١٩٣١، تأسست جمعية العلماء فأدرج الإبراهيمي مشروعه النهضوي في القانون الأساسي للجمعية الذي حرره في نفس السنة، وفي نص أساسي صدر به سجل مؤتمر جمعية العلماء سنة 1935 والذي شرح فيه أسباب تأخر المسلمين وتقدم غيرهم، والذي حدد فيه شروط النهضة الجزائرية التي- أكد من جديد- أنها يجب أن تقوم على الإسلام: "أي شباب الإسلام، إن الأوطان تجمع الأبدان، وإن اللغات تجمع الألسنة، وإنما الذي يجمع الأرواح ويؤلفها، ويصل بين نكرات القلوب فيعرفها فهو الدين، فلا تلتمسوا الوحدة في الآفاق الضيقة، ولكن التمسوها في الدين، والتمسوها من القرآن تجدوا الأفق أوسع، والدار أجمع، والعديد أكثر، والقوى أوفر"، ثم حذر من المشروع التغريبي، وحدد موقفا واضحا وصارما من الاستعمار والتبشير والاستشراق والإلحاد، والطرقية والبدع والخرافات والأمية التي تمهد كلها لغزو المشروع التغريبي، وتقف في نفس الوقت عائقا دون تحقيق المشروع الإسلامي.

ويؤكد الإبراهيمي أن العلوم العصرية- التي هي إحدى الدعائم لإنجاز مشروعه النهضوي- يجب أن ننهل منها بدون عقدة، لأن الحضارة "هي في الحقيقة تراث إنساني تسلّمه أمة إلى أمّة، وتأخذه أمة عن أمة فتزيد فيه أو تنقص منه بحسب ما يتهيّأ لها من وسائل وما يؤثر فيها من عوامل ... وقد أصبح احتكار المدنية لأمم خاصة تقليدًا شائعا متعاصيا عن التمحيص والنقد، ومن هذا الباب احتكار الغربيين للمدنية القائمة اليوم، وما هي في الحقيقة إلا عصارة الحضارات القديمة ورثها الغربيون عمن تقدمهم، وقاموا عليها بالتزيين والتحسين والتلوين، وطبعوها بالطوابع التي اقتضاها الوقت، وانتحلوها لأنفسهم أصلا وفرعا، ولا تزال التنقيبات عن مخلفات الحضارات القديمة تكشف كل يوم عن جديد يفضح هؤلاء المحتكرين ويقلل من غرورهم.

والمثقفون- في نظر الإبراهيمي- هم المسؤولون عن إنجاز مشروعه النهضوي لأنهم "هم حَفَظَة التوازن في الأمم وهم القَوَمَة على الحدود أن تهدم، وعلى الحرمات أن تنتهك، وعلى الأخلاق أن تزيغ، وهم الميزان لمعرفة كل إنسان حد نفسه، يراهم العامي المقصر فوقه فيتقاصر عن التسامي لما فوق منزلته، ويراهم الطاغي المتجبر عيونا حارسة فيتراجع عن العبث والاستبداد"، وعلى المثقفين "الامتزاج بالأمة والاختلاط بطبقاتها والتحبّب إليها ومشاركتها في شؤونها الاجتماعية، والدخول في مجتمعاتها ومعابدها، ومشاركتها في عبادتها وفي الصالح من عوائدها .. ، وثقة الأمة بالمثقفين هي رأس المال في هذا الباب 

لقد طبَّق الإبراهيمي مشروعه النهضوي في حياته؛ إذ لقَّن العلم والدين والأخلاق كمدرس بالمدينة المنورة ودمشق في العقد الثاني من هذا القرن الميلادي، ثم كمدرس بمدينة سطيف في العقد الثالث، ثم كمدرس بمدينة تلمسان في العقد الرابع، ثم كزعيم حركة دينية وثقافية عظيمة بالقطر الجزائري في العقد الخامس، أما أهمية الاقتصاد والمال فلم يهملها فحث أنصاره وتلامذته على الاهتمام بهذا الجانب- خاصة بشراء ما أمكن من الأراضي الزراعية عن المعمرين، وهي أراضي كانت سلبت من أجدادنا، وبإنشاء تعاونيات بين التجار والحرفيين- واستطاع في الأربعينات أن يدفع تجار القطر الجزائري الكبار إلى إنشاء شركة كبيرة تواجه الاحتكارات الاستعمارية آنذاك

الهوامش والإحالات


[1] - آسيا تميم: المرجع السابق، ص: 69.

[2] - أحمد طالب الإبراهيمي: آثار محمد البشير الإبراهيمي، دار الغرب الإسلامي، بيروت، لبنان، 1997م، ج: 5، ط1، ص: 272.

[3] - محمد رجب البيومي: النهضة الإسلامية في سير أعلامها المعاصرين، الدار الشامية، بيروت، لبنان، دار القلم، دمشق، ط1، 1415ه / 1995م، ص: 257-258

[4] - بوعلام بسايح: أعلام المقاومة الجزائرية ضد الاحتلال الفرنسي بالسيف والقلم، مكتبة المهتدين الإسلامية، الجزائر، 2007م، ص: 271.

[5] - يوسف العايب: تجليات ثقافة المقاومة في فكر البشير الإبراهيمي وأدبه، مجلة علوم اللغة العربية وآدابها، جامعة الوادي، مج: 7، ع: 7، 1 جوان 2015م، ص: 185.

[6] - مراد قبال: المرجع السابق، ص: 67-68.

[7] - يوسف العايب: المرجع السابق، ص: 185.

[8] - آسيا تميم: المرجع السابق، ص: 76-78.





[1] - آسيا تميم: المرجع السابق، ص: 69.

[2] - أحمد طالب الإبراهيمي: آثار محمد البشير الإبراهيمي، دار الغرب الإسلامي، بيروت، لبنان، 1997م، ج: 5، ط1، ص: 272.

[3] - محمد رجب البيومي: النهضة الإسلامية في سير أعلامها المعاصرين، الدار الشامية، بيروت، لبنان، دار القلم، دمشق، ط1، 1415ه / 1995م، ص: 257-258

[4] - بوعلام بسايح: أعلام المقاومة الجزائرية ضد الاحتلال الفرنسي بالسيف والقلم، مكتبة المهتدين الإسلامية، الجزائر، 2007م، ص: 271.

[5] - يوسف العايب: تجليات ثقافة المقاومة في فكر البشير الإبراهيمي وأدبه، مجلة علوم اللغة العربية وآدابها، جامعة الوادي، مج: 7، ع: 7، 1 جوان 2015م، ص: 185.

[6] - مراد قبال: المرجع السابق، ص: 67-68.

[7] - يوسف العايب: المرجع السابق، ص: 185.

[8] - آسيا تميم: المرجع السابق، ص: 76-78.

author-img

تاريخ الجزائر الثقافي وآدابها

Kommentare
Keine Kommentare
Kommentar veröffentlichen
    NameE-MailNachricht