ترجمته
هو العالم الفقيه والأصولي المتكلم، والخطيب والمدرس والمعلم والمجاهد
الزيتوني الأزهري، إنه العربي بن القاسم بن مبارك بن فرحانة التبسي المولود بدوار
السطح ولاية تبسة 1891م-1308ه، وهو وحيد والديه[1]،
وبعد التحاقه بجامع الزيتونة 1913م وتحصله على شهادة التطويع، انتقل إلى مصر 1920م،
وخلال تواجده بالقاهرة كان يشارك في مقالات "الشهاب" سنة 1927م، وفي نفس
السنة نزل إلى مدينة تبسة[2]،
حيث قام الشيخ التبسي بالاتصال بالإمام عبد الحميد بن باديس سنة 1929م من أجل
تنسيق الجهود لنشر الوعي والإصلاح في أوساط المجتمع الجزائري، تمثل في إنشاء جمعية
العلماء المسلمين الجزائريين في 5 ماي 1931م، التي استطاعت إصلاح الأمة والحفاظ
على مقومات الشخصية الجزائرية[3].
وكان له موقف مشرف من "المؤتمر الإسلامي الجزائري" المنعقد سنة
1936م رغم عدم مشاركته فيه، حيث قال كلمته الشهيرة رفقة الشيخ "مبارك الميلي":
"نحن موافقون على كل ما تقررون"، وكانت هذه الموافقة تخص كل ما له علاقة
بقضايا جمعية العلماء المعروفة ومبادئها الثابتة[4]،
وفي سنة 1950م أواخر شهر أكتوبر سافر الشيخ "التبسي" برفقة رئيس جمعية
العلماء المسلمين "البشير الإبراهيمي" إلى باريس، وكان الهدف هو الدفاع
في العاصمة الفرنسية، باستعمال جميع المنابر المتاحة عن قضيتين أساسيتين: الأولى
قضية فصل الحكومة عن الدين الإسلامي وحرية التعليم العربي، والثانية وضعية
الجزائريين النازحين إلى فرنسا وضرورة تأسيس مدارس لهم[5].
وباعتباره المسؤول الأول عن جمعية العلماء المسلمين في الجزائر، وكان مؤيدا
للجهاد وأحد محركي القواعد الخلفية له، قامت السلطة الفرنسية بعدة محاولات لحمله
على رفض الخيار الثوري لحل القضية الجزائرية، ودعوه إلى التبرؤ من كفاح جبهة
التحرير الوطني، وقد تفطن للأهداف الاستعمارية من هذا الأمر[6]،
واختطفت منظمة الأيدي الحمراء الإرهابية الشيخ التبسي في 4 أفريل 1957م ببلكور وهو
مريض، وعندما بحثت عنه عائلته لدى الإدارة الاستعمارية لم يجدوا خبرا عنه، ولكن
الشعب الذي عرف أن الذي يهدد الاستعمار ومصالحه لا يمكن أن يقتل إلا على يد هذا
الاستعمار البغيض[7]
انتسابه
إلى الدعوة السلفية ودفاعه عنها.
أمّا
انتساب الشّيخ رحمه الله إلى أهل السنّة وإلى الدّعوة السلفيّة فأمر ظاهر، وقد كتب
بعض الطّرقيّين مقالا ينتقص فيه السّلفيين ودعوتهم، وألزمهم أن يكون مثل الصّحابة،
وإلاّ كانت دعواهم غير صحيحة ودعوتهم باطلة، فتصدّى
للردّ عليه الشّيخ باعتباره واحدا من المعنيّين بهذا اللّمز وكان ممّا قاله: «وهذه
الطّائفة الّتي تعدّ نفسها سعيدة بالنّسبة إلى السّلف-وأرجو أن تكون ممّن عناهم
حديث مسلم (لاَ تَزَالُ طَائِفَةٌ
مِنْ أُمَّتِي يُقَاتِلُونَ عَلَى الحَقِّ ظَاهِرِينَ إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ) الحديث.
فقد وُفِّقوا لتقليد السّلف في إنكار الزّيادة في الدّين، وإنكار ما أحدثه
المحدِثون وما اخترعه المبطلون، ويرون أنه لا أسوة إلاّ برسول الله صلّى الله عليه
وسلم، أو من أمرنا بالائتساء ب، فلمّا شاركوا السّلف وتابعوهم في هذه المزيّة
الإسلاميّة نسبوا أنفسهم إليهم، ولم يدع أحد منهم أنّه يدانيهم فيما خصّهم الله به
من الهداية التي لا مطمع فيها لسواهم». وقال
أيضا: «أمّا السلفيّون الّذين
نجّاهم الله ممّا كِدْتُم لهم فهم قوم ما أتوا بجديد، وأحدثوا تحريفا، ولا زعموا
لأنفسهم شيئا ممّا زعمه شيخكم، وإنّما هم قوم أمروا بالمعروف، ونهوا عن المنكر في
حدود الكتاب والسنة، وما نقمتم منهم إلاّ أن آمنوا بالله وكفروا بكم.
والرّجل
إذا صرّح بانتمائه إلى السنّة قُبِل منه ذلك، قال
شيخ الإسلام ابن تيمية في الردّ على أحدهم:» وإن أردت بالتستّر
أنّهم يجتنون به ويتّقون به غيرهم ويتظاهرون به حتّى إذا خوطب أحدهم قال أنا على
مذهب السلف، وهذا الذي أراده والله أعلم، فيقال
له: لا
عيب على من أظهر مذهب السّلف وانتسب إليه واعتزى إليه، بل يجب قبول ذلك منه
بالاتّفاق، فإنّ مذهب السلف لا يكون إلاّ حقّا، فإن كان موافقا له باطنا وظاهرا
فهو بمنزلة المؤمن الذي هو على الحقّ باطنا وظاهرا، وإن كان موافقا له في الظّاهر
فقط دون الباطن فهو بمنزلة المنافق، فتُقبَل منه علانيّته وتُوكَل سريرته إلى الله
فإنّا لم نؤمر أن ننقّب عن قلوب النّاس ولا نشقّ بطونهم «.
يقول
أبو القاسم سعد الله
يذكر بعض مؤرخي الثقافة أن محمد معنصر
الميلي بدأ تدريس التفسير سنة 1918 في الجامع الكبير بميلة، مبتدئا من سورة
الفاتحة والبقرة. وكان له جمهور كيف. وكان هو من مزدوجي اللغة، ولكن ثقافته
العربية كانت أقوى فيما يبدو، وقد درس في مسقط رأسه ثم قسنطينة، وتوظف رسميا، ثم
ترك ذلك الوظيف واشتغل بالتدريس الحر، مكرسا جهده لتفسير القرآن الكريم. وقد قيل
إنه كان ينزع إلى استخراج المعاني الجديدة من الآيات التي يفسرها، ويتعمد ذكر
الأمراض الاجتماعية. ولكننا لا نعرف عنه ذلك إلا من خلال وصف تلاميذه وبعض
معاصريه، أما الحقيقة فاننا لا نعرف طريقته ولا أسلوبه في التفسير، ولا أين انتهى
فيه.
جمهور هذا النوع من المفسرين كان من العامة في أغلب الأحيان. إنه
جمهور التجار والفلاحين، وبعض المتعلمين والطلبة، ولذلك كان عليم أن يتبسطوا في
اللغة والمعاني، وأن يتناولوا موضوعات ذات صلة بهذا الجمهور مثل العقائد المزيفة
والأمراض الاجتماعية والمعاملات. ولا ظن أنهم كانوا
يلقون بالعربية الفصيحة ولكن بالعربية
المتفاصحة. ولو كان تفسيرا للقرآن بالفصيح وبالأسلوب العالي ربما لم يتابعهم فيه
إلا القليل. ولكننا كباحثين عن الدليل لا نستطيع أن نحكم على قيمة هذا الجهد، لأن
النص المكتوب يعوزنا. حقيقة أن هذا الجيل من المفسرين الشفويين قد أدى دوره وبلغ
رسالته عن طريق الكلمة الناطقة، وكون شبابا وبعث شعبا كاملا بوسائله البيانية غير
القلم، ولكن تجربته ستظل محدودة في الزمن، لأنها توقف بتوقف اللسان عن البيان.
كان الشيخ العربي التبسي من هؤلاء المفسرين أيضا. بدأ ذلك بعد رجوعه
من دراسته في الأزهر الشريف. كانت دروسه في الجامع الكبير بتسبة. وقيل إنه بدأ
التفسير للعامة ولمن حضره من الخاصة، من السور القصار وتنقل منها إلى البقرة.
وكانت ثقافته الدينية الواسعة تؤهله لهذه المهمة، فقد كان مطلعا على التفاسير
وعارفا بأحوال العصر ومقتنعا بدور العالم في هذا المجال. فكان يتخذ من التفسير
وسيلة للدعوة إلى التقدم والنهوض، لأن القرآن في أساسه يدعو إلى ذلك. وكان يعتمد
منهجا معينا، يقوم على شرح الألفاظ واستخراج المعاني وتطبيقها على الواقع. ولذلك
كانت الدعوة إلى الاتحاد والتقدم واليقظة هي الغاية، وكذلك الدعوة إلى نبذ البدع،
والعمل بما جاء به القرآن. إن التبسي لم يستمر في مكان واحد، فقد تنقل من تبسة إلى
غيرها من مدن الغرب ثم قسنطينة ثم العاصمة. ولكنه لم ينفك عن إلقاء دروس التفسير
ومواصلة ما بدأه إلى أن ختمه في آخر سنة ١٩٥٦. وكان ذلك قبل استشهاده ببضعة أشهر
فقط. وقيل إن تدريسه للتفسير دام اثنين وعشرين سنة.
وخلافا لبعض معاصريه كان الشيخ العربي التبسي يكتب أيضا في البصائر
وغيرها. وكان يتناول في دروسه الوعظية وفي خطبه الدينية آيات من القرآن الكريم، ولا ندري الآن ما إذا كان من بين ما نشر
ما يدل على طريقته في تناول التفسير.
الهوامش والإحالات
[1] - أحمد
سبتي، عبد الرؤوف عاشور: البعد التربوي في فكر الشيخ العربي التبسي من خلال آثاره
ومواقفه، مجلة الناصرية للدراسات الاجتماعية والتاريخية، جامعة تبسة – باتنة، مج:
13، ع: 2، 2 ديسمبر 2022، ص: 794.
[2] - مراد
قبال: المرجع السابق، ص: 83.
[3] - خالد
حموم: الشيخ التبسي والحركة الوطنية الجزائرية، مجلة رؤى التاريخية للأبحاث
والدراسات المتوسطية، جامعة محمد لمين دباغين، سطيف، مج: 1، ع: 1، جوان 2020، 28/06/2020، ص: 2.
[4] - خالد
حموم: دور الشيخ التبسي في الحركة الوطنية والثورة التحريرية، مجلة الحكمة
للدراسات التاريخية، بجاية، مج: 1، ع: 2، جوان 2013، ص: 257.
[5] - محمد
الطيب العلوي: مظاهر المقاومة الجزائرية، 1830 – 1954م، ط1، الجزائر، 1985، ص:
106.
[6] - مراد
قبال: المرجع السابق، ص: 83.
[7] - آسيا
تميم: المرجع السابق، ص 112.
