JavaScript is not enabled!...Please enable javascript in your browser

جافا سكريبت غير ممكن! ... الرجاء تفعيل الجافا سكريبت في متصفحك.

ابن مرزوق الخطيب ترجمته وآثاره

 مقدّمة

كانت الحواضر الجزائريّة في أوجّ عطائها الفكريّ والأدبيّ والعلميّ خلال فترة لا يستهان بها من فترات التّاريخ الإسلاميّ، ولازالت إلى الآن، فمنذ الفتح الإسلاميّ لبلاد المغرب، تجلّت الرّغبة لدى أهلها من رواد العلم في طلب الاستزادة، ممّا ولّد حركةً علميّةً غير مسبوقة، اتّضحت معالمها عبر تلك الرّحلات المتبادلة بين المشارقة والمغاربة، برًّا وبحراً، وحتى بين المغاربة فيما بينهم، وفي كتب التّراجم والرّحلات والأسانيد ما يؤيّد ذلك، ولم يكن هناك قرنٌ أوفر حظًّا من غيره، لأنَّ لكلّ علماؤه وفقهاؤه وأدباؤه، يسيرون وفق المنهج المتعارف عليه في طلب العلم، ونشره بين الطّلبة والمريدين، ومن البديهيّ أن تكون العلوم الشّرعيّة هي الجامع لكلّ ذلك، لأن غاية العلماء والطّلبة على السّواء هي معرفة ما يلزمهم لإصلاح حياتهم، فضلاّ عمّا يلزم للقيام بالعبادات التي أمرهم بها المولى – عزّ وجلّ-، وذلك ما تمدّهم به العلوم المذكورة من فقه وأصول وسيرة وحديث، وقد كان لكل علم منها أعلام مشهود لهم بالتمكّن في مسائله، ممّا جعل التّلاميذ يقصدونهم طلباً للمعرفة أوّلاً وللإجازة ثانياً.

وقد كان التّتلمذ على المشائخ من سمات العالم المتصدّي للتّدريس والمشيخة، بل من شروطه، فلا نجد عالماً من علمائنا الأجلاّء إلاّ وقد أخذ عن طائفة من الشّيوخ مشرقاً ومغرباً، وهذا هو حال عائلة ابن مرزوق التي تعدّ من العائلات المشهورة في تلمسان، على غرار غيرها من العائلات، مثل المقّريّ والعقبانيّ، وقد لعبت كلّها دوراً هامًّا. وبرز منها عدّة علماء في شتّى العلوم الشرعيّة، من حديث وتفسر وفقه وتصوّف، ويكفي أن نذكر منها "ابن مرزوق الحفيد" صاحب "شرح مختصر خليل"، وابنه "الكفيف" تلميذ "ابن حجر العسقلانيّ"
و"عبد الرحمن الثّعالبيّ" وغيرهما.

ترجمة ابن مرزوق الجد

فشخصيّة محمّد ابن مرزوق معروفة وبارزة، فهو محمّد بن أحمد بن محمّد بن محمّد ابن محمّد ابن مرزوق الخطيب شمس الدّين، ولد بتلمسان، سنة 710ه/1311م، من أكابر علماء المالكيّة في عصره، له مشاركة في فنون الأدب والدّين والعلم، كان موطنُ أسرته بعجّيسة بزاب إفريقيّة، فانتقلت إلى تلمسان صحبة الشّيخ أبي مدين شعيب بن الحسين الإشبيليّ في أواخر القرن السّادس الهجريّ، وفي ذلك يقول ابن خلدون: «كان سلفه
نزلاء الشّيخ أبي مدين بالعبّاد، ومتوارثين خدمة تربته، من لدن جدّهم خادمه في حياته، وكان جدّه الخامس أو السّادس، واسمه أبو بكر بن مرزوق، معروفاً بالولاية فيهم»، رحل مع والده، وهو في الثّامنة عشر من العمر، إلى الحجاز، فحجّ وزار وجاور، كما اجتمع ببعض المشيخة الذين أخذ عنهم.

ثمّ سافر للمرّة الثّانية منفرداً عن أبيه، فدخل بلاد الشّام ومصر، وروى هناك عن عدد من علماء تلك البلاد، فضلاً عن علماء بجاية وتونس وفاس، وقد أورد أسماءهم في فهرسته المسمّاة: "عجالة المستوفز المستجاز في ذكر من سمع من المشائخ دون من أجاز، من أئمّة المغرب والشّام والحجاز"، برز في عدّة علوم، منها
الحديث الشّريف الذي ألّف فيه، وفي ذلك يقول "إنّه لا يوجد اليوم من يسند أحاديث الصّحاح قراءةً وسماعاً من باب الإسكندريّة إلى البرّين والأندلس غيره"، وقد ذكره تلميذه ابن قنفذ بقوله: «وكان له طريق واضح في الحديث، ولقي أعلاماً من النّاس، وأسمعنا حديث البخاريّ وغيره في مجالس مختلفة، ولمجلسه جمال ولين معاملة. وله شرح جليل على "العمدة" في الحديث و"البردة"».

وبعد أن تتلمذ في البلدان المذكورة، أمره والده بالعودة إلى بلده لتأنيس عمّه محمّد بن مرزوق خطيب جامع السّلطان أبي الحسن بالعبّاد، وصادف في طريق العودة السّلطان أبا الحسن المرينيّ محاصراً لتلمسان،سنة 733ه/ 1332م، فنزل كما أمر، ولم يلبث العمّ أن مات، فأقامه السّلطان مكانه، فأظهر علماً واسعاً، ممّا جعله يستخلصه لنفسه، يقول ابن مريم في بستانه: «ولقي السّلطان أبا الحسن محاصراً لتلمسان، وقد شيّد
مسجداً عظيماً، وكان عمّه محمّد بن مرزوق خطيباً به على عادتهم في العبّاد، وتوفّي فولّاه السّلطان خطابة ذلك المسجد مكان عمّه، وسمعه يخطب على المنبر ويشيد بذكره في خطبته، ويثني عليه، فحلي بعينه فقرّبه، وهو مع ذلك يلازم ابني الإمام، ويأخذ نفسه بلقاء الفضلاء والأكابر والأخذ عنهم».

وقد خصّه السّلطان أبو الحسن المذكور بالعناية، وقربه إليه، بل وجعله خطيباً في أيّ مسجد من المساجد التي يؤمّها في أسفاره، يقول ابن الخطيب – وكان معاصراً له - «وصرف وجهه إلى المغرب، فاشتمل عليه السّلطان أبو الحسن اشتمالاً خلطه بنفسه، وجعله مفضى سرّه وإمام جُمَعه وخطيب منبره وأمين رسالته».

ومن المعلوم أنّ أبا الحسن المرينيّ قد ذهب إلى الأندلس لمساندة المسلمين في حربهم ضدّ الصّليبيّين، خصوصاً بعد هزيمة المسلمين في معركتهم السّابقة، 740ه/1339م، وبالفعل فقد ساند ملك غرناطة أبي الحجّاج يوسف المؤيّد بالله، وجرت معركة عرفت في التّاريخ بمعركة طريف، انتصر فيها المسلمون على مملكتي قشتالة والبرتغال، وما يهمّنا هنا أنّ ابن مرزوق كان من بين الذين حضروا الواقعة مما جعل أبا الحسن يكلفه ببعض السفارات إلى تلك النواحي، يقول ابن خلدون: «وحضر معه واقعة "طريف" التي كان فيها تمحيص للمسلمين؛ فكان يستعمله في السّفارة عنه إلى صاحب الأندلس. ثمّ سفر عنه، بعد أن ملك إفريقيّة، إلى أدفوشن ملك قشتالة في تقرير الصّلح، واستنقاذ أبي عمر تاشفين. كان أسر يوم طريف؛ فغاب عن تلك السّفارة عن واقعة القيروان».

وبعد عودته من السّفارة استأذن ابن مرزوق أبا عنان في إعفائه من الخدمة، وعاد إلى تلمسان، وهي تحت سيطرة بني زيان، فأوفده الملك أبو سعيد إلى دولة بني مرين في مهمّة سياسيّة، لكنّ خصوم أبي سعيد أسروه وأودعوه السّجن، وبقي مدّة قبل أن يطلق سراحه وينطلق إلى غرناطة، سنة 752هـ / 1351م، فنزل عند السّلطان أبي الحجّاج ابن الأحمر، فقرّبه واستعمله على الخطبة بجامع الحمراء مدّة سنتين، يقول ابن خلدون: «ولما خلص السّلطان إلى الجزائر داخله أبو سعيد صاحب تلمسان في السّفارة عنه إلى السّلطان أبي الحسن، وصلاح ما بينهما، فسار لذلك، ونقمه أبو ثابت وبنو عبد الواد، ونكروه على سلطانهم. وسرّحوا صغير بن عامر في اتباعه، فتقبّض عليه وأودعوه المطبق. ثم أشخصوه بعد حين إلى الأندلس فاتّصل بأبي الحجّاج صاحب غرناطة، وولّاه خطابته لما اشتهر به من إجادة الخطبة للملوك بزعمهم»، ثم استدعاه أبو عنان بعد استيلائه على تلمسان، فنظمه في أكابر الدّولة، ثم أوفده إلى تونس عام 758هـ /1357م ليخطب له بنت السّلطان أبي يحيى أبي بكر الحفصيّ، لكنّ الخطبة ردّت ووشي بابن مرزوق فأودعه أبو عنان السّجن، قبل أن يطلق سراحه بين يدي موته (كانت وفاته سنة 759ه / 1358م).


ولما تولّى السّلطان أبو سالم المرينيّ، سنة 760هـ / 1359م، أعاد له منزلته ومكانته العلميّة، وجعله من المقرّبين إليه، أكثر من أيّ شخص آخر في البلاط، «وكان مؤامره ونجيّ خلوته والغالب على هواه، فانصرفت إليه الوجوه، وخضعت له الرّقاب، ووطئ عقبه الأشراف والوزراء، وعطف على بابه القوّاد والأمراء، وصار زمام الدّولة بيده، وكان يتجافى عن ذلك أكثر أوقاته حذراً من سوء المغبّة، ويزجر من يتعرّض له في الشّكاية، ويردّهم إلى أصحاب المراتب والخطط بباب السّلطان، وهم يعلمون أنّه قد ضرب على أيديهم، فنقموا ذلك وسخطوا الدّولة من أجله. ومرضت قلوب أهل الحلّ والعقد مِن تقدّمه، ونَفَسَ عليه الوزراء ما ثبت له عند السّلطان من الحظّ، فتربّصوا بالدّولة، وشمل هذا الدّاء الخاصّة والعامّة».

لكنّ الأمور لم تجر بما كان يشتهي ابن مرزوق، ذلك أن الأحوال كانت في تغيّر مستمرّ، نظراً للصّراعات والدّسائس، من ذلك ما جرى سنة 762ه / 1360 ، إثر الانقلاب الحكومي الذي ذهب ضحيّته فسُجن للمرّة الثّالثة، ليطلق سراحه بعد مدّة قد تكون قرابة السّنتين، ذلك أنّنا نجده يلتحق بالحفصيّين في تونس سنة، 764ه / 1362م، حيث أكرمه السّطان أبو إسحاق بن أبي زكريّا، وصاحب دولته أبو محمّد بن تافراكين (تافراجين)، وولّياه خطابة جامع الموحّدين، وبقي هناك سنوات، قبل أن تدفعه السّياسة إلى المغادرة صوب البلاد المصريّة، فنزل الاسكندريّة ومنها إلى القاهرة، حيث تلقّاه العلماء وأكابر الأعيان، وأوصلوه إلى السّلطان الأشرف شعبان بن الحسين، هذا الأخير الذي أكرمه وولّاه الوظائف العلميّة، والخطابة حيث درّس في الشيخونيّة والضّرغشيّة والنّجميّة، وفي ذلك يقول: «فحللت بالدّيار المصريّة، ولقيت من ملكها الذي لم أر
في الملوك مثله حلماً وفضلاً وحياءً وجوداً وتلطّفاً ورحماً، السّلطان المالك الملك الأشرف ناصر الدّين والدّنيا شعبان بن حسين، فأحسن لي وأجرى عليّ وعلى أولادي ما قام به الحال» وبقي كذلك إلى أن توفّي سنة 781ه / 1379م، ودفن بمقبرة القرافة الصغرى.

مؤلّفاته:

لقد ترك ابن مرزوق الجدّ العديد من المؤلّفات، لكنّ أغلبها – كما هي العادة في معظم النّصوص القديمة - مفقود أو مخطوط، فلا نعرف إلّا أسماءها، وقد أوردها الشّيخ عبد الرحمن الجيلالي في "تاريخ الجزائر العام"، وعادل نويهض في "معجمه"، كما يلي:

1 – عجالة المستوفز المستجاز في ذكر من سمع من المشائخ دون من أجاز من أئمّة المغرب والشّام والحجاز. وهي في ذكر الشيوخ الذين أخذ عنهم ابن مرزوق، وقد أورد بعضاً منها ابن الخطيب في الإحاطة، والمقّري
في نفح الطّيب، ويقال إن شيوخه قد بلغوا ألفين.

2 – تيسير المرام في شرح عمدة الأحكام.

3 – شرح الأحكام الصّغرى لعبد الحقّ الإشبيلي.

4 – شرح الشّفاء للقاضي عياض. ذكره في كتابه المسند في الباب الحادي والعشرين، والمتعلق باشتغال السّلطان أبي الحسن بالحديث الشّريف، وذلك في قوله: «وقرأت بين يديه غير مرّة كتاب الشّفاء، وفضله معروف، وثناء الجلّة عليه مشهور، وهو معروف البركة، وقد كتبت مقدّمة في شرحي له المسمّى ببرج الخفاء في شرح الشّفاء».

5 – إزالة الحاجب عن فروع ابن الحاجب

6 – تحفة الطّرف إلى الملك الأشرف

7 – المسند الصّحيح الحسن من أخبار السّلطان أبي الحسن. وهو الكتاب المحقّق والمنشور عن المكتبة الوطنيّة بالجزائر، من تحقيق المستشرقة الإسبانيّة، ماريا خيسوس بيغيرا، وهو موضوع الدّراسة، مع الإشارة إلى أن عنوانه فيه اختلاف طفيف: فمرة يذكر بعبارة أخبار السّلطان ومرة أحاديث السّلطان، لكنّنا سنلتزم هنا بما ورد في النّسخة المحقّقة بعنوان: "المسند الصّحيح الحسن في مآثر ومحاسن مولانا أبي الحسن".


8 – كتاب الإمامة.

9 – إيضاح المراشد فيما تشتمل عليه الخلافة من الحكم والفوائد.

10 – شرح صحيح البخاريّ. ذكره في مسنده بقوله: «وقد أودعت جملاً من أخبار البخاريّ وفضله، وفضل كتابه، في مقدّمة علّقتها أوّل الكتاب الذي حرّرت فيه أسانيده».

11 – شرح البردة.

12 – ديوان خطب وقصائد.

13 – كتاب في التّنجيم.

14 – جنى الجنّتين في فضل اللّيلتين.

15 – الأربعين المسندة في الخلافة والخلفاء. لعله المؤلّف المذكور في المسند، والذي قال عنه: «وقرأت بين يديهم – رضي الله عنهم – الأربعين التي خرجتها من مرويّاته، رضي الله عنه عن مشايخه، الذين كتبوا له بالإجازة من المغرب، وهي في جملة الكتب المحبسة بجامع القرويّين».

16 – كتاب جمع فيه ما قيل في الصّبر.

author-img

تاريخ الجزائر الثقافي وآدابها

Comments
No comments
Post a Comment
    NameEmailMessage