JavaScript is not enabled!...Please enable javascript in your browser

جافا سكريبت غير ممكن! ... الرجاء تفعيل الجافا سكريبت في متصفحك.

أبو القاسم عبد الرّحمن القالمي ورسائله

 تابع رسائل القالمي

ذكر العماد أنّه من كتّاب الدّولة الحمّاديّة، وله رسالة منها قوله:

 «ولمّا كنت في مضمار سلفك جارياً، ولنا موالياً، وفي قضاء طاعتنا متباهياً، رأينا أن نثبت مبانيكن ونؤكّد أواخيك، ونوجب لك ولخلفك ما أوجبه سلفنا لسلفك، تمييزاً لهم عن الأكفاء، ومجازاة لهم على محض الصّفاء والولاء، فاستدم هذه النّعمة العظيم خطرها بالشّكر فأنت به جدير، ﴿وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْناً إِنَّ اللهَ غَفُورٌ شَكُور﴾[1]»[2]

وفي مجموع رسائل موحّديّة ل"بروفنصال" – كما أشرنا إلى ذلك - رسالتان، تحدّث القالميّ في الأولى عن هزيمة الأعراب الهلاليّين واستسلام الكثرة من القبائل للموحّدين ودخولهم في طاعتهم، وفي ذلك يقول: «من أمير المؤمنين – أيّده الله بنصره، وأمدّه بمعونته – إلى الطّلبة والشّيوخ والأعيان والكافّة من الموحّدين من أهل فاس – أعزّهم الله بتقواه، وأدام كرامتهم بحسناه – سلام عليكم ورحمة الله وبركاته ... وإنّا كتبناه إليكم – كتبكم الله ممّن تعرّف آلاءه المستعادة، وجعل انتظار الفرج بالصّبر عبادة، وبوّء بقرارة اليقين لتنجرّ ما في ضمن الوعد من كلّ فتح مبين مهاده، وقابل نعمه التي تجلي قرّة أعين صورتها، وتثني ثبج أسماع سورتها، من الشّكر الأحفى، والحمد الأوفى، ما يستهبّ نفحات الزّيادة، ويصل أواصر الالتحام، ووصائل الانتظام بين مبديه منها ومعاده»[1]

 «ولمّا كنت في مضمار سلفك جارياً، ولنا موالياً، وفي قضاء طاعتنا متباهياً، رأينا أن نثبت مبانيكن ونؤكّد أواخيك، ونوجب لك ولخلفك ما أوجبه سلفنا لسلفك، تمييزاً لهم عن الأكفاء، ومجازاة لهم على محض الصّفاء والولاء، فاستدم هذه النّعمة العظيم خطرها بالشّكر فأنت به جدير، ﴿وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْناً إِنَّ اللهَ غَفُورٌ شَكُور﴾[2]»[3]

وفي الرّسالة الثّانية نجد القالميّ يتحدّث على لسان ابن عبد المؤمن في تنكيل هذا الأخير بالنّصارى في ضواحي قرطبة، حين حاولوا الإغارة على الجيش العربيّ، وفي ذلك يقول: «الحمد لله الذي قدّم لأوليائه أمره فيما يرومونه من تدويخ العدوّ وقهره يوماً على الكافرين عصيباً، وصنع لهم في إبراز الكفرة إلى مضاجعهم وسوقهم على قدم الاعتزاز صنعاً عجيباً، ووعد القائمين بدعوته، النّاصرين لملّته، فتوحاً آزفة يفتحونها، ومغانم كثيرة يأخذونها ... وإنّا كتبناه إليكم – كتبكم الله ممّن أحسن تلقّي البشائر، ووفّى النّعمة حقّها من شكر الشّاكر، وجعلكم من الذين أشرقت لهم أنوار الهداية فائضة على الأبصار والبصائر – من حضرة فلانة – حرسها الله – والذي نوصيكم به تقوى الله تعالى والعمل بطاعته والاستعانة به والتّوكّل عليه»[4].

إلى أن يقول: «وهذا الفتح – وفّقكم الله وأعانكم – وإن كان عظيماً في نفسه، عالياً في جنسه، فإنّه للفتوح الآزفة مفتاح، وبين يدي السّعي فيها مصباح؛ وإنّه رائد الفتوح المنتظرة، وعنوان الخيرات الميسّرة، ونازلٌ من الفتوح الآتية بمحلّ الباكر من الثّمرة، لما أشرب فيه أولياء الله وأنصار الحقّ وجنود الأمر وحماة الإسلام وأحزاب الدّين من ريح الفتح وجدّوا من عزّ الغلب، وتذلّل لهم من مركب الرّوم، إذ عرفوا ذوقهم، وساقوا سوقهم، ولم يبق لهم في نفوسهم مقاومة ولا محلّ مراقبة، ولمّا خامر الرّومُ – قصمهم الله – من الرّعة والرّوع وانفتح عليهم من أبواب الخطوب وتوجّه إليهم من جنود الرّعب ... فإنّهم بعد أولئك الهلكى المطرّحين بمنزلة الرّمح بعد السّنان، والجسد بعد الجنان»[5]

وممّا لا شكّ فيه أنّ رسائل القالميّ أكثر من ذلك، فقد كان رئيساً لديوان الإنشاء، وهي مكانة لا يصل إليها إلّا من كان ذا دراية بأصول الكتابة الدّيوانيّة، وإلّا لمّا كان ليستدعيه ابن عبد المؤمن إلى جانب كتاب الكتّاب المغاربة، سيما وأنّه ذو تجربة في الكتابة، إذ رأينا رسالته التي أنشأها في حضرة الحمّاديّين، وبذلك يكون قد خدم عبد العزيز ابن المنصور وابنه يحيى أي في أوائل القرن السّادس الهجريّ، ونحن نعرف أنّ يحيى قد خلف أباه بعد وفاته سنة 515ه/1121-1122م على قول ابن خلدون، أو سنة 518ه/1124-1125م على قول ابن عذارى.

ومن رسائل القالميّ تلك كتبها عن الخليفة يوسف إلى الطّلبة الغزاة بإفريقية، كتذكير بما سبقها من رسائل في شأن مواجهة الغزو التي يقوم بها البدو من عرب إفريقية حينما كان أبو زكريا والياً عليها، والرّسالة مؤرّخة بغرّة رجب عام 564ه، والتي منها قوله: «إنّا كتبنا إليكم – أدام الله عزّكم وكرامتكم بتقواه – من حضرة مراكش – حرسها الله – والذي نوصيكم به تقوى الله والعمل بطاعته والاستعانة به والتّوكّل عليه والذّؤُب على المساعي الحميدة المزلفة لديه، والجدّ في الأعمال الصّالحة المقرّبة منه المدنية إليه، المقتضية استصحاب إفضاله وامتنانه، المديمة ما ارتهن لديكم من جميل عوايده وجزيل إحسانه، الموجبة لكم رضاه عاجلاً وآجلاً، المستدرّة عهاد كرمه وابلاً فوابلاً، المفضية بكم إلى سَنن الهدى ونهجه، الحاملة على كاهل السّداد وثبجه، الصّاعدة بكم في مراقي النّجح ودرجه ...»

الحمد لله الذي قدّم لأوليائه أمره فيما يرومونه من تدويخ العدوّ وقهره يوماً عل الكافرين عصيباً، وصنع لهم في إبراز الكفرة إلى مضاجعهم وسوقهم على قدم الاعتزاز صنعاً عجيباً، ووعد القائمين بدعوته، النّاصرين لملّته، فتوحاً آزفة يفتحونها، ومغانم كثيرة يأخذونها، فعجّل من دون ذلك فتحاً قريباً؛ وصلّى الله على نبيّه المصطفى محمّد الهادي إلى سبل السّلام ترغيباً وترهيباً؛ وعلى آله وصحبه، ومن لبّى دعوته إلى ربّه، سامعاً مجيباً، سامياً في مقام النّصرة ومحلّ الأثرة أعزّ نجيباً؛ ونسأله الرّضا عن الإمام المعصوم، المهديّ المعلوم، المجدّد لدينه عند ما عاد غريباً كما بدأ غريباً، وذهبت به الأهواء المتّبعة، والأضاليل المبتدعة، تصعيداً وتصويباً؛ وعن صاحبه وخليفته الإمام أمير المؤمنين مؤازره، ومظاهره، توسيعاً لأكناف الدّعوة العليّة وترحيباً، ووارث مقامه الكريم، وأهلية القيام بأمره العظيم، منصوراً ومفتوحاً له ومصيبا.

ولمّا اتّصل بنا نبأهم الذّميم، وتوجّه فيهم الصّنع الكريم، استخرنا الله تعالى على تمييز العساكر المنصورة، وتسريبها إليهم مع إخواننا وأشياخ الموحّدين – أعزّهم الله – فاتّبعوهم مجدّين واجتمعوا بالشّيخ الأجلّ أبي حفص – أعزّه الله – ومن هنالك من الموحّدين – أعانهم الله – وعرفوا بمجرّد متجدّد حالهم، وما انكشف لهم من صور الأحوال في حلّهم وترحالهم، واستمدّوا الأوامر التي عادة الله تعالى إسعاد مطيعها، وتوفيق المسند إليها، فأمروا بصدق لقاء العدوّ – قصمه الله – وأخذه عل بركة الله الذي سبقت كلمته أن ينصر من ينصر دينه، ويبذل في مجاهدته إخلاصه ويقينه؛ فاستمرّوا في جدّ الاتّباع على وجههم الميمون، ونصرهم المضمون، ودرجت أيّام قدر ما يوصل الطّالب إلى المطلوب، ويتمحّص بمكروه الكافر وهو غير المرغوب، إل أن هتفت البشائر مالئة الأسماع، طالعة من أحسن ثنايا الاطّلاع، وورد الفتح الجليل، والصّنع الجميل، ووصل من أعيان الموحّدين – أعانهم الله – من شهد اليوم الذي أخذ فيه للإسلام بمليم النّار، وعرف الكافر لمن عقبى الدّار؛ معهم أعلام الرّوم المنكوسة فيها تماثيلهم وصلبانهم، وافتراؤهم على الله وطغيانهم، ورأس شيخهم الذّميم وشيطانهم الرّجيم، واتر أهل الإيمان، وأشدّ الكفرة عتوًّا عل الرّحمان، فذكر الواصلون أنّ الموحّدين – أعانهم الله – اتّبعوهم معدّين، وأرهقوهم مشمّرين في الرّكض مجدّين، إلى آخر فحص هلال، وقد طمع الأعداء بالنّجاة؛ فتهيّأ هنالكم اللّحاق والإدراك، وتراءى الإيمان والإشراك؛ فرأى الكفرة من بأس الله الذي لا يردّ، وجنده الذي لا يصدّ، ما هالهم وراعهم، وأنساهم جلادهم ومصاعهم، وعلى ذلك فطمعوا في الدّفاع، وارتفعوا إلى اليفاع، وحملوا حملات قاصرة، وكرّوا كرّات خاسرة؛ إلى أن زحفت عليهم الكلمة، وحاقت بهم النّقمة، وأخذتهم السّيوف المستلحمة ...

وإنّا كتبناه إليكم – كتبكم الله ممّن أحسن تلقّي البشاتئر، ووفّى النّعمة حقّها من شكر الشّاكر، وجعلكم من الذين أشرقت لهم أنوار الهداية فائضة على الأبصار والبصائر – من حضرة فلانة – حرسها الله – والذي نوصيكم به تقوى الله تعالى والعمل بطاعته والاستعانة به والتّوكّل عليه وأن تعلموا أنّ لله في هذا الأمر العالي وما ناط به من إظهار الدّين ونصر الملّة وإعلاء الكلمة أفعالاً خافية وعالنة، وآثاراً ظاهرة وباطنة، وأسراراً مجتلية ومحتجبة، ولطائف مشهودة ومتغيّبة، فمهما أنسيء لعُداته في أجل الأمهال، فلْيساق لأولياء الله الفتح فيهم بالمساق العجيب، وليترتّب لهم حال القطع لدابرهم والاستيصال لشافتهم في أجمل صور التّرتيب، إشارة للعناية ودلالة على الأثرة، وتنبيهاً عل الارتقاء في الأسباب، وتبصرة وذكرى لأولي الألباب.

الهوامش والإحالات


[1] - الشّورى: 28.

[2] - الأصفهانيّ، العماد، خريدة القصر، قسم شعراء المغرب والأندلس، تح: محمّد المرزوقيّ، محمّد العروسي المطويّ، الجيلالي بن الحاج يحيى، الدّار التّونسيّة للنّشر، ط3، 1986، 1/180.

بروفنصال، ص: 113-114.

[2] - الشّورى: 28.

[3] - الأصفهانيّ، العماد، خريدة القصر، قسم شعراء المغرب والأندلس، تح: محمّد المرزوقيّ، محمّد العروسي المطويّ، الجيلالي بن الحاج يحيى، الدّار التّونسيّة للنّشر، ط3، 1986، 1/180.

[4] - المرجع نفسه، ص: 121-122.

[5] - المرجع نفسه، ص: 125-126.

author-img

تاريخ الجزائر الثقافي وآدابها

Comments
No comments
Post a Comment
    NameEmailMessage