JavaScript is not enabled!...Please enable javascript in your browser

جافا سكريبت غير ممكن! ... الرجاء تفعيل الجافا سكريبت في متصفحك.

ترجمة أبي يعلى الزواوي

ترجمته



هو السعيد بن محمد الشريف بن العربي من قبيلة آيت سيدي محمد الحاج الساكنة في إغيل زكري من ناحية عزازقة بمنطقة القبائل الكبرى، أو زواوة، وينسب إلى الأشراف الأدارسة، ولد حوالي 1279ه الموافق ل 1862م، والقرية التي ولد فيها غير قريته الأصلية، إنما عين والده إماما فيها وتزوج والدته منها، فقرية أبيه تسمى "تفريت ناث"[1] ونشأ وسط عائلة علم ودين، وفي هذا الجو ترعرع وبدأ خطواته الأولى في مسيرة العلم والمعرفة، حفظ القرآن وأتقن تجويده في سن الثانية عشر، وتعلم مبادئ اللغة، وبرع في الخط العربي، ثم التحق بزاوية "عبد الرحمن الأيلولي"، لعبت هذه الزاوية دورا مهما في نشر الدين والعلوم الإسلامية[2]، ومنها تخرج، ومن أبرز شيوخه الذين استفاد منهم: "الحاج أحمد آحذيد" والشيخ "بن زكري" مفتي الجزائر، والشيخ "بن القاسم البوجليلي"، وأكثر "أبو يعلى" من التنقل والترحال[3]، حيث كانت وجهته الأولى نحو تونس سنة 1893م، وهناك تعرف على الشيخ "الطاهر الجزائري"، وأخذ من علماء "الزيتونة"[4]

وفي عام 1910م انتقل إلى الشام بغرض العمل في قنصلية فرنسا هناك، فكان كاتبا ومحررا، ووافقت فرنسا بإرساله إلى الشام لإقناع الجزائريين هناك بالتجنس بالجنسية السورية لتفادي رجوعهم إلى الوطن، لكنه عمل عكس ما قالوا، فكان يحثهم على الرجوع للجزائر، فتخلت عنه الإدارة الاستعمارية، واضطر للجوء إلى مصر، والتقى قدوته في الإصلاح محمد رشيد رضا، فكتب في جريدة المقتبس والبرهان المصرية[5]، ثم عاد إلى الجزائر سنة 1920م، وكان إماما وخطيبا في جامع سيدي رمضان بالعاصمة[6]

وكان أيضا من بناة جمعية العلماء المسلمين الأوائل، وكانت أهم أعماله مع الجمعية: ترأسه للاجتماع التأسيسي للجمعية 5 ماي 1931، وترأسه المؤقت للجمعية العمومية المكلفة بوضع القانون الأساسي للجمعية، وترأسه للجنة الفتوى فيها، وكتابته في جرائدها كـ"الشهاب" و"المنتقد"، بالإضافة إلى حضوره ل"لمؤتمر الإسلامي" 1927[7]، وقد توفي في حدود سنة 1952 تاركا وراءه عددا ضخما من المؤلفات والمخطوطات والمقالات الصحفية، من أبرزها كتابه "تاريخ الزواوة"، "جماعة المسلمين والإسلام الصحيح"[8]

نصوص من الكتاب:

أولا: فضل علم التاريخ

إن فضل علم التاريخ لا ينكر وفوائده تذكر فتشكر، وقد نوه به جمع المؤرخين في كتبهم، ولم أرد استيعاب ذلك لشهرته، وعلي أن قصدي الاختصار، والإتيان بكلام جديد، لعلي بذلك أفيد وإلا فشيخ التاريخ ابن خلدون رحمه الله قد أتى في خطبته في الموضوع بما هو كفاية لمن يريد أن يكتفي، وإنما رأيت كلامه وكلام غيره من السادة المؤرخين قد لا يفي بمقصودنا بسبب الحوادث التي لم تحدث لهم وذلك معنى قول عمر بن عبد العزيز رحمه الله تحدثون ويحدث لكم. وكذلك قول من قالوا بلزوم الاجتهاد في كل عصر وفي كل قطر. وعلى هذا فالذي حدث لنا والذي نجتهد فيه رد أقوال جمهور من أهل وطننا هذا ممن يظن منهم أنهم من أهل المعرفة فقهاء وطلبة العلم بأن علم التاريخ غير مطلوب وأنه قصص وأساطير الأولين كما قد أشرنا في الخطبة وأنه سهل ليس بأن يدرس إلى غير ذلك مما قالوا ولقد قالوا مثل ما قيل الأولون ما ذكر في القرآن وكفى هذا ردا عليهم ولكن لابد من زيادة بيان للاقتناع والارتداع فنقول:

المرأة تلد الرجل طفلا والتاريخ يجعله رجلا أن فضل علم التاريخ لا يحصر فيحد، ومنافعه لا تستقرأ فتعد، وإنما هي بالإجمال تميز الفضيلة من الرذيلة، والمحمدة من المذمة، والشجاعة من الجبانة، والشهامة من السفاهة، والنجابة من الدناءة، والكرامة من اللأمة، والرفعة من الحطة، والنباهة من البلاهة، والعبرة من العظمة، بل الحياة من الممات، إلى غير ذلك من المحاسن

والأضداد، مما عليه تقام القصور وتشاد، ونقدم طوائف وتؤخر أخرى وتذاد، إذ به تحي الأجناس أو تموت الماس، إذ هو للعقلاء معيار وقياس، وللسخفاء ممات وإفلاس، ومع أنه علم طبيعي في الخليفة والأجيال، تتشبث به السوقة والأقيال ذلك بأنهم ذوو المقاصد والآمال، والرغبة والرهبة فيما هنالك من الأعمال، والتشوق إلى ذكر غريزي المنوال، عزيز النوال، ليستفيد العارف ويفيد، ويقتدي بكل فعل حميد، وينبذ كل شائن حصيد، ويتخذ المنقى بين قديم وجديد، وأيد هذا كله الكتاب والسنة، وقال جل شأنه في غير ما آية: {لقد كان في قصصهم عبرة} وقال{نحن نقص عليك أحسن القصص بما أوحينا إليك هذا القرآن وإن كنت من قبله لمن الغافلين} وقال{وكلا نقص عليك من أنباء الرسل ما نثبت به فؤادك وجاءك في هذه الحق وموعظة وذكرى للمؤمنين} وقال إمام المفسرين ابن جرير الطبري في تفسير الآية{نحن نقص عليك} أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ملوا ملة فقالوا يا رسول الله حدثنا فأنزل الله عز وجل أحسن الحديث ثم ملوا ملة أخرى فقالوا يا رسول الله حدثنا فوق الحديث ودون القرآن يعنون القصص فانزل الله{الر * تلك آيات الكتاب المبين}. قلت وهذا صريح في أن علم التاريخ علم جليل القدر والفائدة، عظيم النفع والعائدة، وهو مطلوب، ويفيد هذا النقل أن ليس علم فوقه سوى القرآن وعلى أن القرآن نفسه تاريخ وعبر، وديوان المبدأ والخبر، ليتذكر أولو الألباب وقال تعالى: {لقد كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب}{ما كان حديثا يفترى ولكن تصديق الذي بين يديه وتفصيل كل شيء وهدى ورحمة لقوم يؤمنون}.

وأن مواعظ القرآن وعبره لا تعادلها مواعظ أخرى وعبرها فلذا قال صاحب بانت سعاد يخاطب النبي صلى الله عليه وسلم:

مهلا هداك الذي أعطاك نافلة الـ ... قرآن فيها مواعيظ وتفصيل

وبالجملة إن نكراننا علم التاريخ لإحدى الكبر في هذا العصر، نذيرا للبشر، لمن شاء أن يتقدم أو يتأخر، إذ من الفطرة السليمة التشوق وحب الإطلاع إلى بدء الخليقة وإلى انتهائها، وفي ذلك يقول أصدق القائلين: {قل سيروا في الأرض وانظروا كيف بدأ الخلق ثم الله ينشئ النشأة الآخرة أن الله على كل شيء قدير يعذب من يشاء ويرحم من يشاء وإليه تقلبون} وقال جل شأنه{وهو الذي خلق السموات والأرض في ستة أيام وكان عرشه على الماء} وفي الحديث «كان الله ولا شيء غيره» وقال الطبري في تفسير هذه الآية: (حدثتا خلاد بن أسلم قال أخرنا النظر بن شميل قال أخبرنا المسعودي قال أخبرنا جامع بن شداد عن صفوان بن محرز عن ابن حصين وكان من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم خرجوا من عنده وجاء قوم آخرون فدخلوا عليه فقالوا جئنا نسلم على رسول الله ونتفقه في الدين ونسأله عن بدء هذا الأمر قال فاقبلوا البشرى إذ لم يقبلها أولئك الذين خرجوا قالوا قبلنا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم«كان الله ولا شيء غيره وكان عرشه على الماء» وكتب في "الذكر قبل كل شيء ثم خلق سبع سماوات ثم أتاني آت فقال تلك ناقتك قد ذهبت فخرجت ينتقطع دونها السراب فوددت أني تركتها له".

إن علم التاريخ يزيد في العقل والإيمان ويزيد في العلم والعمل ويورث الشهامة والشجاعة إذ تنير قضايا ثائرة الحماس في الغيورين، ويحرك ما سكن في الخاملين ويحمل ذوى الهمم العالية على المطالبة بمجد الأولين والحاضرين، ويثبت الأقدام عند الدفاع ويعير ما كان للأسلاف مما شاع وذاع، ويستجد المجدد ذا الشرف في الأمم، ويوقظ النائمين وينبه الغافلين، ذلك بأنهم إذا ذكروا بشرهم وكرمهم تنافوا فيه، وإذا عبر أحدهم بمذمة نعروا عليه، وقد اعتبره المتأخرون حياة الأمم أو موتها مثل اللغة يقولون لا حياة لأمة ماتت لغتها وكذلك لا حياة لأمة مات تاريخها ومن منافع علم التاريخ من لوازم علم الحديث ومعياره لمعرفة رجاله الأثبات والثقات لكيلا يدخل الحديث الزور والتوليج ومعرفة الناسخ والمنسوخ وهذا ركن مهم في الأصول وتأسيس الأحكام الشرعية وكذلك معرفة الأنساب للحديث (تعلموا من أنسابكم ما تصلوا به أرحامكم) وكذلك معرفة الوقايع والأيام وإن جهل النسب خسارة كبرى، وجهل الوقائع مذمة عظمى، وبالأخص نسب الشرفاء وسببهم الذي لا ينقطع فكيف والحالة هذه لا يعتني بالتاريخ؟ وهو إذا تعالت الفنون كان أعلى من المريخ، .. وقد عرف فضل التاريخ الإفرنج ودرسوا ما فيه، واستخرجوا كنوزه ومعانيه، ودونوا محامده ومساويه، وبينوا أصوله وقواعده، وحققوا فروعه ومذاهبه، وقسموه إلى أقسام، منه خاص وعام، ومعروف ومجهول، ومنبوذ ومعقول، فمنه طبعي ومنه جغرافي إلى غير ذلك مما تدبروا وتبصروا منه فأفادهم إرشادا وأدبا، وصار عندهم فرضا لا ندابا، ونجد أعلم علمائنا إذا تناظر مع أي علم من علماء أوروبا في شؤون التاريخ

ثانيا: نسب زواوة

اختلف المؤرخون في نسب الزواوة، والزواوة قبائل كثيرة مشهورة، ومواطنهم ومساكنهم بشمال إفريقية يجعلهم البحر الأبيض المتوسط الممتد من خليج مدينة الجزائر إلى بجاية إحدى عواصمهم وإلى جيجل نصف دائرة فهؤلاء هم المعروفون والمشهورون بالزواوة، وهذا الخلاف في نسبهم هو الذي لفتتا إلى الاعتبار والبحث والتنقيب هل هم عرب أو بربر؟ فأدانا البحث الطويل الذي استغرق بضعة عشر عاما، والعمل ليالي وأياما، إلى نتائج مرضية، تعرضها على العلماء وأولى الأبصار، لا ليقال بل للاعتبار، وليس الغرض من ذلك إلا بيان الحقائق للأنام، ودفع الخرافات والأوهام، التي استولى كثيرها على عقول الجهال والعوام، إلا فكما قال تعالى: {يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله اتقاكم إن الله عليم خبير} وعليه فنقول: من المسلم أن المؤرخين المسلمين فريقان أهل المشرق وأهل المغرب فالمشهورون والمعروفون من الفريقين هم الطبري والمسعودي وابن إسحاق وابن الكلبي والواقدي وابن الأثير وابن كثير وابن عبد البر وابن الخطيب والمقري صاحب نفح الطيب وابن هشام وابن عبد ربه وابن خلدون وغيرهم ممن طالعت كتبهم ممن تقدموا على ابن خلدون أو تأخروا مثل المسالك والممالك وهذا أشهر ومن المتقدمين

والمعرب عن سيرة ملوك المغرب والقرطاس وزهرة الشيارخ والممتع ونزهة المشتاق والجمان في أخبار الزمان والروض المعطر والاستقصا لأخبار المغرب الأقصى وغيرهم، والمعتبرون في الأنساب من هؤلاء أشار إليهم ابن خلدون فقال: والذين ذهبوا بفضل الشهرة والأمانة المعتبرة واستفرغوا دواوين من قبلهم في صحفهم المتأخرة هم قليلون لا يكادون يتجاوزون عدد الأوائل ولا حركات العوامل، مثل ابن إسحاق والطبري وابن الكلبي ومحمد ابن عمر الواقدي وسيف ابن عمر الأسدي والمسعودي أقول بسبب قصدي الاختصار والإفادة، لا الإطناب والخصام واللجاجة، وكان شيخ التاريخ عموما وتاريخ المغرب والبربر خصوصا الداركة النقاد النسابة ابن خلدون من المتأخرين بالنسبة إلى المؤرخين والنسابين الذين ذكروا الزواوة وبسب أنه رحمه الله مغربي أندلسي الأصل بل يمني حضرمي ثم أندلسي وولد بتونس ونشأ فيها وكان في بجاية عاصمة الزواوة وتلمسان وفاس وبالخصوص أنه كان حاجبا للسلطان أبي عنان في أواسط القرن الثامن ومعنى هذه الخطة مثل (سكرتير جنرال) اليوم أي كاتم أسرار وصاحب الإمضاء وتولى ذات مرة رياسة بعثة من السلطان إلى شيخ الزواوة لمسائل سياسية وكان أحد كبار شيوخه الذين أخذ عنهم زواويا فقال في ذلك ما لفظه: ومنهم - يعني شيوخه - الشيخ أبو العباس أحمد الزواوي إمام المغرب قرأت عليه القرآن العظيم بالجمع الكبير بين القراءات السبع عن طريق أبي عمرو الداني أهـ وبهذه الأسباب كلها اعتمده في نسب الزواوة أكثر من غيره وأنه أعرف بهم وأحق بالشهادة عليهم مع أدلة أخرى وبراهين قاطعة والله أعلم.

الهوامش والإحالات



[1] - بلقاسم شتوان: أبو يعلى الزواوي حياته وآثاره ومرجعيته السلفية، مجلة المعيار، جامعة الأمير عبد القادر للعلوم الإسلامية، قسنطينة، ع: 36، 27/11/2014م، ص: 2.

[2] - فتيحة صافر: أبو يعلى الزواوي شيخ الشباب وشاب الشيوخ، مجلة العلوم الإنسانية، كلية العلوم الإنسانية والحضارة الإسلامية، قسم التاريخ، جامعة وهران 1 أحمد بن بلة، مج: 8، ع: 2، 31/12/2019م، ص: 3.

[3] - ابتسام تموري، سمية زواتني: قضايا الإصلاح الديني في الجزائر من خلال صحيفة الشهاب 1925-1939م، مذكرة لنيل شهادة ماستر في التاريخ، تخصص: تاريخ حديث ومعاصر، جامعة جيلالي بونعامة، خميس مليانة، ص: 64.

[4] - أبو يعلى الزواوي: تاريخ الزواوة، مراجعة وتعليق: سهيل الخالدي، منشورات وزارة الثقافة، الجزائر، ط1، 2005م، ص: 13.

[5] - أبو يعلى الزواوي: الإسلام الصحيح، منشورات الحبر، الجزائر، 2008م، ص: 6-7.

[6] - سعد الله أبو القاسم: أبحاث وآراء في تاريخ الجزائر، المرجع السابق، ص: 204.

[7] - بوبكر صديقي: الشيخ أبو يعلى الزواوي وجهوده في الفقه والأصول، أطروحة لنيل شهادة الدكتوراه في العلوم الإسلامية، جامعة الحاج لخضر، باتنة، 2007، ص: 89.

[8] - سعد الله أبو القاسم: المرجع السابق، ص: 204.

author-img

تاريخ الجزائر الثقافي وآدابها

تعليقات
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق
    الاسمبريد إلكترونيرسالة