JavaScript is not enabled!...Please enable javascript in your browser

جافا سكريبت غير ممكن! ... الرجاء تفعيل الجافا سكريبت في متصفحك.

ترجمة شهاب الدّين أبي العبّاس المقّريّ التّلمسانيّ

مقدمة

حياة أبي العبّاس أحمد شهاب الدّين المقّريّ معروفة إلى حدّ كبير، سواء في المغرب، أو في المشرق، فهو مولود في أواخر الفرن العاشر، بمدينة تلمسان، الحاضرة التي أنجبت خيرة علماء الجزائر في شتّى المجالات، وقد تنقّل بين مدن المغرب المشهورة آنذاك مثل "فاس" و"مراكش"، وغيرهما، كما زار مختلف العواصم العربيّة كمصر ودمشق والقدس والحرمين، من هنا فإنّ حياته حافلة بالإنجازات العلميّة والفكريّة التي تترجمها مؤلّفاته التّاريخيّة والتي من أبروها (نفح الطّيب من غصن الأندلس الرّطيب).

وفي هذا البحث سنركز على ظاهرة ملفتة للانتباه لدى المقّريّ، ونعني بذلك ولعه بالخطاب الصّوفيّ، وحكايات الكرامات، هذه الحكايات التي نجد نماذج منها في مؤلّفات  المقّريّ وعلى وجه الخصوص في كتابه المذكور، فما هي المؤثّرات التي دفعت به إلى الإغراق في ذكر المتصوّفة وكراماتهم؟

إجابة على ذلك يمكن القول إنّ المقّريّ كان متأثّراً ببضاعة العصر، الذي شهد ظهور الطّرق الصّوفيّة، وانتشارها الرّهيب في المغرب والمشرق، إضافة إلى أسلافه الذين كانوا من أرباب التّصوّف، سواء جدّه محمّد أو جدّه الخامس أبو بكر الذي صحبه أبو مدين شعيب الغوث من إلى تلمسان، انطلاقا من ذلك قمنا ببسط القول في هذين الجانبين لإبراز الدّافع وراء ذكر المقّريّ لحكايات الكرامات رغم كونها تحمل في طيّاتها شيئاً من المبالغة الممزوجة بالسّذاجة، وهو ما يتنافى مع علم ومكانة المقّريّ كمؤرّخ وأديب لا كصوفيّ، وكان اعتمادنا على المنهج الاستقرائي، متّكئين في ذلك على الظّروف التي نشأ فيها المقّريّ وتأثّره ببضاعة العصر، رغم بعده عن الأجواء الصّوفيّة 

ترجمته:

ولد أبو العباس شهاب الدين أحمد بن محمد بن أحمد بن يحيى بن عبد الرحمن بن أبي العيش بن محمد المقري القرشي سنة 986 بمدينة تلمسان، وهو ينتسب إلى مقرة [1] – بفتح الميم والقاف المشددة -  التي هاجر منها أسلافه، ودليل ذلك ما ورد في "أزهار الرياض"؛ حيث يقول[2] :

فيقول أحمد ذو القصور       المقري إذا انتسب

جبر المهيمن صدعه         ووقاه سيئ ما اكتسب

وحباه منحة مؤمن         محض العبادة واحتسب

ويقول في منظومته إضاءة الدجنّة[3] :

يَقُولُ أَحْمَدُ الْفَقِيرُ الْمَقَّرِيْ     الْمَغْرِبِيُّ الْمَالِكِيُّ الْأَشْعَرِيْ

قال عنه السملالي : «أحمد بن محمد بن أحمد بن يحيى بن عبد الرحمن بن أبي العيش بن محمد المقّري، التلمساني المولد، المالكي المذهب، نزيل فاس، ثم القاهرة، حافظ المغرب، جاحظ البيان، ومن لم ير نظيره في جودة القريحة، وصفاء الذهن، وقوة البديهة»[4] 

وعن نسبه يقول عبد الرحمن الجيلالي: «اشتهر بيت المقري هذا بتلمسان، منذ أن انتقل إليها أعضاء هذه الأسرة الأولون من "مقرة" في أواخر القرن السادس الهجري، أعني حين استقرت دولة "بني زيان" على عرش الجزائر، وبها ولد المترجم حوالي 986ه/1578م ، وفيها درج ونشا، وبها حفظ القرآن الكريم، وتأدب وأخذ علمه عن مشائخها المشهورين في التاريخ، وأخصهم عمه "أبو عثمان سعيد" مفتي تلمسان ستين سنة»[5] .

فالنسبة هنا تعود لأجداده، وليس لمولده هو، ذلك أنه ولد بتلمسان، بينما أصل تسميته من مقرة بالمحمدية سابقاُ، أين كان يقطن أسلافه، وبذلك يخطئ من يجعل مقرة من أعمال تلمسان، وعلى العموم فإن ما يهمنا هنا أن المترجم له قد سار على نهج أسلافه في طلب العلم بتلمسان وغيرها من الأوطان. سواء بالمغرب أو بالمشرق.

ومن أجداده المشهورين: محمد بن محمد المقري قاضي الجماعة بفاس[6]: «إذ كان أشهر أسلافنا الشيخ الإمام – صاحب التصانيف الشهيرة التي اقتادت المحاسن بزمام القاضي الأشهر العلامة الأظهر سيدي أبو عبد الله محمد بن محمد بن أحمد المقّري القرشي التلمساني النشأة والقبر، أفاض الله سجال الرحمة على مثوى ذلك الحبر-»[7] .

وقد ورد حديث واف عن أبي العباس المقري لدى معاصره "عبد الكريم الفكون" بقوله : «ومن جملة من نذكره هنا - وإن نأت داره، وبعد مستقره وقراره - الحافظ النحرير، أفصح زمانه، ودرة وقته وأوانه، أبو العباس أحمد المقري (وأختم به إن شاء الله هذا التأليف)، كان خطيبا بجامع القرويين بفاس، وأصله من مدينة تلمسان»[8]

نشأ بتلمسان وحفظ القرآن، كما قرأ على عمه سعيد صحيح البخاري سبع مرات وروى عنه الكتب الستة بسنده إلى أبي عبد الله التنسي عن والده حافظ عصره محمد بن عبد الله التنسي، إلى أن يصل إلى القاضي عياض بأسانيده المذكورة في "الشفا"، رحل إلى فاس مرتين: الأولى كانت في صفر 1009، حيث نزل بدار قاضي فاس الجديد أبي محمد عبد الوهاب بن القاضي أبي مالك عبد الواحد الحميدي، ويوم وصوله قصد جامع القرويين، وحضر مجلسا للشيخ علي بن عمران السلالي، وناقشه في بعض المسائل الفقهية التي أشكلت عليه، فاعترف له السلالي وأنصفه، ومن يومها طار صيته؛ فأقبل عليه أهل فاس، مشيخة وطلبة، مجيزين ومستجيزين، حتى أن الفقيه المؤرخ أبا العباس ابن القاضي [9]  كتب إلى سعيد المقري رسالة ضمنها قصيدة جاء فيها[10]:

أرسلت للغرب القصي بدرة    قد أبهرت وعلت له الأوسام

جمع العلوم على حداثة سنه          قد بارك الله به العلام

أكرم به من عالم علامة       جمع العلا وزكت به الأفهام

انتقل بعدها إلى مراكش رفقة إبراهيم بن محمد الآيسي[11]، وبها تعرف على طائفة من العلماء والأدباء، ورووا عنه الأشعار والأخبار، واستجازهم، وساجلهم، وناقشهم في مختلف القضايا العلمية، لكنه لم يمكث طويلا؛ إذ غادر مراكش عائدا إلى فاس يوم السبت 15 ربيع الثاني عام 1010، فأقام بها إلى منتصف ذي القعدة، قبل العودة إلى تلمسان، إلى غاية سنة 1013؛ حيث كانت رحلته الثانية إلى فاس، رغم وفاة السلطان المنصور قبل ذلك، إلا أن ذلك لم يثن من عزمه، وهذا ما نلمسه من خلال كتابه (روضة الآس في ذكر من لقيته من أعلام الحضرتين مراكش وفاس ) المذكور، حيث بث فيه شوقه لهذه الحاضرة، بعدما ترك كل شيء وراءه، عازما على الاستقرار، حيث أقام في فاس مدة خمسة عشر عاما، تولى فيها الإمامة والخطابة والفتوى بالقرويين،

إلى أن اختلت أحوال المملكة السعدية، وكثرت الفتن، لعل أعظمها ما وقع من اقتتال بين أبناء المنصور من الأمراء السعديين، خصوصا بين الأمير زيدان والمأمون، هذا الأخير الذي كان منبوذا من قبل الجميع، على عكس أخيه زيدان، في خبر طويل ذكره المؤرخون.

تنقل بعدها بين الإسكندرية والقاهرة، حتى وصل إلى الحجاز، وبعد أداء المناسك توجه إلى المدينة المنورة، ليعود بعدها إلى مصر في محرم من سنة 1029ه، ويتزوج من إحدى الأسر الشريفة، وفي تلك السنة زار بيت المقدس، ليتردد على الحرمين الشريفين عدة مرات، وفي أواخر شعبان دخل دمشق، لينزل في الجقمقية عند رغبة الأديب "أحمد بن شاهين"[12] حيث أملى صحيح البخاري في الجامع الأموي، تحت قبة النسر بعد صلاة الفجر، ولما كثر الناس خرج إلى صحن الجامع تجاه القبة الباعونية، وحضره غالب علماء دمشق، وكان يوم ختمه في السابع والعشرين من رمضان سنة 1037ه حافلا جدا، حتى قيل أنه أنشد للبخاري بيتين ليس له غيرهما:

اغْتَنِمْ فِي الْفَرَاغِ فَضْلَ رُكُوعٍ     فَعَسَى أَنْ يَكُونَ مَوْتُكَ بَغْتَهْ

كَمْ صَحِيحٍ قَدْ مَاتَ قَبْلَ سَقِيمٍ    ذَهَبَتْ نَفْسُهُ النَّفِيسَةُ فَلْتَهْ

الهوامش والإحالات


[1] - نسبة إلى قرية مقرة إحدى قرى الزاب المشهورة بجنوب جبال الحضنة، (وهي حاليا مدينة من مدن ولاية المسيلة. المحمدية سابقا )، وتنطق بفتح الميم وتشديد القاف المفتوحة. يراجع عبد الرحمن الجيلالي، تاريخ الجزائر العام، ديوان المطبوعات الجامعية، ج3، ص 144، وفيه إحالة إلى المصادر. «ونسبته الأخرى التي تعطى أحيانا في صورة المقري، تشير إلى أن أسرته تنتسب إلى محلة صغيرة تقع قريبا من تلك المدينة». تاريخ الأدب الجغرافي، ص: 735.

[2] - أزهار الرياض 1/3. وغير ذلك من المواضع، خصوصا في الجزء الخامس من النفح.

[3] - المقري، إضاءة الدجنّة في اعتقاد أهل السنة، شرح محمد بن أحمد الداه الشنقيطي، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت، ص4.

[4] - الإعلام بمن حل بمراكش وأغمات من الأعلام، ج2 ص 308. وانظر ترجمته في: خلاصة الأثر، ج1/302 وتعريف الخلف، ج1/44. ومعجم أعلام الجزائر، 310 .

[5] - الجيلالي: عبد الرحمن، تاريخ الجزائر العام، ديوان المطبوعات الجامعية، ط7 1994، ج 3، ص 144.

[6] - أبو عبد الله المقري أديب قاض من أكابر علماء المذهب المالكي في وقته (النصف الأول من القرن الثامن) وشيخ "لسان الدين بن الخطيب"، و"عبد الرحمن بن خلدون". ولد ونشأ بتلمسان، وتعلم بها وبتونس والمغرب ورحل إلى المشرق وحج فاخذ عن علماء مصر ومكة والمدينة ودمشق والقدس تولى قضاء فاس بعد أبيه سنة 752 ه من مؤلفاته الطرف والتحف وعمل من طب لمن حب ورحلة المتبتل وشرح التسهيل وشرح جمل الخونجي (لم يكمله) وغيرها له نظم جيد أورده ابن الخطيب في الإحاطة توفي سنة 759ه /1359م ( ينظر معجم أعلام الجزائر ص312-313).

[7] - أزهار الرياض 1/4 -5.

[8] - الفكون: عبد الكريم، منشور الهداية في كشف حال من ادعى العلم والولاية، ت: أبي القاسم سعد الله، دار الغرب الإسلامي، بيروت، لبنان ط1 1987 ص 223.

[9] - الفقيه الأديب المؤرخ أبو العباس أحمد بن محمد بن محمد بن أبي العافية الفاسي (960ه-1025ه)، صاحب "درة الحجال"، "جذوة الاقتباس"، "المنتقى المقصور"، "درة السلوك"، "درر الملوك"، "لقط الفرائد". ترجم له المقري في "زهرة الآس"، ص: 239. ومحمد بن الطيب القادري: نشر المثاني: ج1:213.

[10] - المقري، أبو العباس، روضة الآس العطرة الأنفاس، في ذكر من لقيته من أعلام الحضرتين مراكش وفاس، تح: عبد الوهاب بن منصور، المطبعة الملكية، الرباط، ط2، 1403-1983، ص: 269-270.، من قصيدة مطلعها:

سعدت بغرة وجهك الأيام        يا سيدا دانت له الأعلام

[11] - أشار إليه المقري أثناء ذكر مآثر السلطان الذهبي، كما ذكره ضمن ترجمة أخيه أحمد الآيسي بقوله: وإنما لم أفرده بترجمة لأني لم أقف له على نظم، وإلا فله مشاركة حسنة في العلوم ... زهرة الآس: 189.

[12] - أحمد بن شاهين القبرسي الأصل، الدمشقي المولد (995-1053): أصل والده من جزيرة قبرس، بالسين المهمله، جزيرة بالبحر الشامي، اشتراه بعض الأمراء وتبناه وجعله من أجناد دمشق (الحديث هنا عن الوالد شاهين) ومكث بعده يزداد في الرفعة حتى صار أحد الأعيان، ولد له أحمد هذا ونشأ،  وانتظم في سلك الجند، أسر في إحدى الوقائع، ولما فك أسره اعتاض عن الوشيج والحسام بالقراطيس والأقلام –أو كما قال- قرأ على جمهور من الأعيان والفضلاء، مدحه شعراء عصره بعد تدريسه بالجقمقية... (خلاصة الأثر للمحبي: 1/210) 

author-img

تاريخ الجزائر الثقافي وآدابها

Comments
No comments
Post a Comment
    NameEmailMessage