JavaScript is not enabled!...Please enable javascript in your browser

جافا سكريبت غير ممكن! ... الرجاء تفعيل الجافا سكريبت في متصفحك.

ترجمة عبد الملك أبي مروان الطّبنيّ

 

مقدّمة

عبد الملك بن زيادة الله ابن أبي مضر علي بن الحسين الطّبنيّ أبو مروان[1]، شاعر من شعراء مطمح الأنفس والذّخيرة، وجذوة المقتبس، له عناية كبيرة برواية الحديث، قال ابن حزم – وكان من أصدقائه -: «روى الحديث فأكثر من روايته جدًّا، وهو أحد حملة الآثار المقدّمين في ذلك، وكان له أخ اسمه عبد العزيز، مات ولهما عقب»[2]



1 - ترجمته في مطمح الأنفس ومسرح التّأنّس في ملح أهل الأندلس

وقال ابن خاقان: «الفقيه أبو مروان عبد الملك الطّبنيّ، ومن ثنية شرف وحسب، ومن أهل حديث وأدب، إمام في اللّغة متقدّم فارع لأعلى رتب الشّعر متسنّم، له رواية بالأندلس ورحلة إلى المشرق، ثمّ عاد وقد توّج بالمعارف المفرق، وأقام بقرطبة علماً من أعلامها، ومتسنّماً لترفّعها وإعظامها، تؤثره الدّول، وتصطفيه أملاكها الأول، وما زال فيها مقيماً ولا برح عن طريق أمانيها مستقيماً، إلى أن اغتيل في إحدى اللّيالي بقضيّة يطول شرحها، ولا ينقضي برحها، فأصبح مقتولاً في فراشه، مذهولاً كلّ أحد من انبساط الخطوب إليه على انكماشه، وقد أثبتّ من محاسنه ما يعجب السامع وتصغي إليه المسامع؛ فمن ذلك قوله:

وَضَاعَفَ مَا  بِالْقَلْبِ يَوْمَ رَحِيلِهِمْ   عَلَى مَا بِهِ مِنْهُمْ حَنِينُ الْأَبَاعِرِ

وَأَصْبِرُ عَنْ أَحْبَابِ قَلْبٍ تَرَحَّلُوا    أَلَا إِنَّ قَلْبِي سَائِرٌ غَيْرُ صَابِرِ

ولمَّا رجع إلى قرطبة وجلس ليرى ما احتقبه من العلوم، اجتمع إليه في المجلس خلق عظيم، فلمّا ترك تلك الكثرة، وما له عندهم من الأثرة، قال:

إِنِّي إِذَا  حَضَرَتْنِي أَلْفُ مِحْبَرَةٍ   يَكْتُبْنَ حَدَّثَنِي طَوْراً وَأَخْبَرَنِي

نَادَتْ بِعَقْوَتِيَ الْأَقْلَامُ مُعْلِنَةً  هَذِي الْمَفَاخِرَ لَا قَعْبَانَ مِنْ لَبَنِ

وكتب إلى ذي الوزارتين الكاتب أبي الوليد بن زيدون:

أَبَا الْوَلِيدِ وَمَا شَطَّتْ بِنَا الدَّارُ  وَقَلَّ مِنَّا الْيَوْمَ زُوَّارُ

وَبَيْنَنَا كُلُّ مَا تَدْرِيهِ مِنْ ذِمَمٍ   وَلِلصِّبَا وَرَقٌ خُضْرٌ وَأَنْوَارُ

وَكُلُّ عَتْبٍ وَاعْتَابٍ جَرَى فَلَهُ  بَدَائِعُ حُلْوَةٌ عِنْدِي وَآثَارُ

فَاذْكُرْ أَخَاكَ بِخَيْرٍ كُلَّمَا لَعِبَتْ   بِهِ اللَّيَالِي فَإِنَّ الدَّهْرَ دَوَّارُ»[3]

2 - ترجمته في جذوة المقتبس، وبغية الملتمس

وقال الحميدي: «عبد الملك بن زيادة أبي مضر بن علي السّعديّ التّميميّ الحمانيّ أو مروان الطّبنيّ، من أهل بيت جلالة ورياسة، من أهل الحديث والأدب، إمام في اللّغة، شاعر، وله رواية وسماع بالأندلس، وقد رحل إلى المشرق غير مرّة على كبر، وسمع بمصر والحجاز، وحدّث بالمشرق عن إبراهيم بن محمّد بن زكريّاء الزّهريّ النّحويّ الأندلسيّ، رأيته بالمدينة في آخر حجّة حجّها، ورجع إلى الأندلس، ومات بقرطبة بعد الخمسين وأربع مائة مقتولاً فيما بلغني، وشعره على طريقة العرب، ومن ذلك قوله:

وَضَاعَف مَا بِالْقَلْبِ يَوْمُ رَحِيلِهِمْ  عَلَى مَا بِهِ مِنْهُمْ حَنِينَ الِأَبَاعِرِ

أَتَجْزَعُ آبَالَ الْخَلِيطِ لِبَيْنِهِمْ  وَتَسْفَحُ مِنْ دَمْعِ سَرِيعِ الْبَوَادِرِ

وَأَصْبِرُ عَنْ أَحْبَابِ قَلْبٍ تَرَحَّلُوا  أَلَا إِنَّ قَلْبِي صَابِرٌ غَيْرُ صَابِرِ

وأنشدني له الرّئيس أبو رافع الفضل بن علي بن أحمد بن سعيد، قال: أنشدني أبو مروان لنفسه:

دَعْنِي أَسِرْ فِي الْبِلَادِ مُبْتَغِياً  فَضْلاً تَرَاهُ إِنْ لَمْ يَعُرْ زَانَا

فَبَيْدَقُ النِّطْعِ وَهْوَ أَحْقَرُ مَا     فِيهِ إِذَا سَارَ صَارَ فِرْزَانَا

وأخبرني أبو الحسن العابديّ: أنّ أبا مروان الطّبنيّ، لمّا رجع إلى قرطبة، أملى فاجتمع إليه في مجلس الإملاء خلق كثير، فلمّا رأى كثرتهم أنشد:

إِنِّي إِذَا اسْتَوْحَشَتْنِي أَلْفُ مِحْبَرَةٍ  يَكْتُبْنَ حَدَّثَنِي طَوْراً وَأَخْبَرَنِي

نَادَتْ بِعَقْوَتِيَ الْأَقْلَامُ مُعْلِنَةً   هَذِي الْمَفَاخِرَ لَا قَعْبَانَ مِنْ لَبَنِ

ثمّ أنشدني هذين البيتين الإمام أبو محمّد التّميميّ، قال: أنشدني بعض شيوخنا لأبي بكر الخوارزمي:

إِنِّي إِذَا حَضَرَتْنِي أَلْفُ مِحْبَرَةٍ    تَقُولُ أَنْشَدَنِي شَيْخِي وَأَخْبَرَنِي

نَادَتْ بِأَقْلَامِيَ الْأَقْلَامُ نَاطِقَةً   هَذِي الْمَكَارِمُ لَا قَعْبَانَ مِنْ لَبَنِ»[4]

وفي ترجمة ابن الإفليليّ يذكر الحميديّ أن عبد الملك المذكور حدّث عنه بالمشرق من ذلك قوله: «حدّثنا أبو القاسم إبراهيم بن محمّد بن زكريّا القرشيّ الّهريّ، قال: كان شيوخنا من أهل الأدب يتعالمون أنّ الحرف إذا كتب عليه بصحّ، بصاد وحاء، أنّ ذلك علامة لصحّة الحرف، لئلا يتوهّم متوهّم عليه خللاً أو نقصاً، فوُضع حرف كامل على حرف صحيح، وإذا كان عليه صاد ممدودة دون حاء، كان علامة أنّ الحرف سقيم، إذ وُضع عله حرف غير تامّ ليدلّ نقص الحرف على اختلال الحرف، ويسمّى ذلك الحرف أيضاً ضبّة، أي أنّ الحرف مقفل بها، لا يتّجه لقراءة، كما أنّ الضّبّة مقفل بها»[5]

3 - ترجمته في نفح الطّيب

ونقل المقّري ترجمة عبد الملك الطّبنيّ عن ابن بسّام في قوله: «كان أبو مروان هذا أحد حماة سرح الكلام، وحملة ألوية الأقلام، من أهل بيت اشتهروا بالشّعر، اشتهار المنازل بالبدر، أراهم طرؤوا على قرطبة قبل افتراق الجماعة، وانتشار شمل الطّاعة، وأناخوا في ظلّها، ولحقوا بسروات أهلها، وأبو مضر أبوه زيادة الله ابن علي التّميميّ الطّبنيّ هو أوّل من بنى بيت شرفهم، ورفع بالأندلس صوته بنباهة سلفهم.

وقال ابن حيان: وكان أبو مضر نديم محمّد بن أبي عامر أمتع الناس حديثاً ومشاهدةً، وأنصعهم ظرفاً، وأحذقهم بأبواب الشّحذ والملاطفة، وآخذهم بقلوب الملوك والجلّة، وأنظمهم لشمل إفادة ونجعة، وأبخلهم بدرهم وكسرة، وأذبّهم عن حريم نشب ونعمة، له في كلّ ذلك أخبار بديعة؛ من رجل شديد الخلابة، ظريف الخلوة، يضحك من حضر، ولا يَضحك هو إذا ندّر، رفيع الطّبقة في صنعة الشّعر، كثير الإصابة في البديهة والرّويّة»[6]

4 - ترجمته في الذّخيرة

قال ابن بسّام: «وشعر أبي مضر ليس من شرط هذا المجموع لتقدّم زمانه، فأمّا ابنه أبو مروان فكان من أهل الحديث والرّواية ورحل إلى المشرق، وسمع من جماعة من المحدّثين بمصر والحجاز، وقتل بقرطبة سنة سبع وخمسين وأربعمائة، لمقتله خبر طن ابن حيان به، ولم يمنعه من سرد قصصه استبشاعه، وحسبك من شر سماعه؛ ونلمع منه بلمعة، قال ابن حيان: وذلك أنّه عدا عليه – زعموا – نساؤه بتدبير ابن سوء خلف له، حملهنّ على ذلك لشدّة تقتيره على نفسه وعليهنّ في المعيشة، وحبسه لهنّ مع ذلك عن التماس الحيلة لتوسعة الضّيقة، فقد كان في ذلك، مع انسدال السّتر عليه، وسعة ريعه بالحضرة، وبعد نجعته لابتغاء الفائدة، إلى  استناده لراتب هلاليّ واسع كان يجريه السّلطان عليه عوناً على صيانته، ويأبى إلّا التّزيّي بالقُلّ والاعتزاء إلى المسغبة، عجباً لمن عرفه أو سمع به، يُصدّق زعم الجاحظ في نوادر كتابه في البخلاء ويزيد عليها؛ فحُمل عنه في ذلك أشياء يكاد النّظر يحيلها، حتّى لأفضى به تقتيره على أهله أن وكّلهنّ إلى أنفسهنّ في أكثر مؤنهنّ، وقاتهنّ بأمداد من غلث الحبّتين القمح والشّعير، يستدعيها لهنّ من متقبّل غلّته مُياومة، ويكلّفهنّ استطحانها بأيديهنّ، وهو قد استوحش منهنّ واعتزلهنّ، وانفرد بنفسه ليله ونهاره، لا مؤنس له سوى غلام حزوّر من ولده، مئوف الخلقة، ضعيف العقل، لا أمّ له، يدعى عبد الرّحمن، آواه إليه من جميع ولده وأقصى سائرهم في قعر داره، وصيّر بينه وبينهم عدّة أبواب موصدة، فأصبح بمكانة ذلك في ربيع الآخر من العام المؤرّخ قتيلاً فوق فراشه، مضرّجاً بدمه، مبعوجاً بالخناجر في وريده ولبّته وأعالي جسده، مفزعاً لمن عاين مصرعه، قد أعلن نساؤه بالنّوح عليه، يزعمن أنّه طرق بمكانه منفرداً عنهنّ، وأخبرن أنّ ابنه زيادة الله المسمّى باسم جدّه لم يكن عنده علم حتّى جئن إليه وأخبرنه بما جرى على أبيه، فهبّ مستعملاً للرّوع مغالطاً بالدّمع، داعياً بويله، سائلاً عن أبيه سؤاله بالشّيء الذي هو جاهله، بلسان تحيّل ينبئ عن دهشة، وعين جمود تدلّ على صحوة، وقد تكابس النّاس عليه توجّعاً لأبيه، وطُلب موضع تسوّر عليه، أو نقب يولج منه إليه، فلم يقف أحد على عين ولا أثر من ذلك، فعرف ابن جهور بما جرى، فأوقع التّهمة به، واستبعد أن يطرق أبوه بتلك الدّاهية، من يد أعتى المردة، إذ كان من وطاءة الخلق، ودماثة النّفس، وخلابة المنطق، واجتلاب المودّة من جميع الخلق، وطلب السّلامة منهم، بحيث لا يحقد عليه ذو غائلة منهم ولا يغتاله صاحب فتكه، فأحاق به تهمته وأمر صاحب المدينة بالتّوكيل به والكشف على داهية أبيه المصاب، والوقوف على صور محنته، فلم يوقف على أثر امتحان، وبحثّ عن الأمر فشملت الرّيبة أهله؛ واستفهم صاحب المدينة الغليّم ابنه عبد الرّحمن فوصف أنّه شاهد المحنة، وأخبر أنّ امرأته أمّ ولده زيادة الله وابنتيها، ابنتي القتيل، تولين شأنه بسكّينه الذي كان يحاول به النّسخ حتّى برد، ولم يذكر أنّ ابنه زيادة الله حضر ذلك، ففحشت القصّة، واضطرّ صاحب المدينة إلى هتك حجاب القتيل في نسوانه، وبطش به يضرب أمّ ولده الفاجر زيادة الشّرّ، فدرأت عن نفسها العذاب بإقرارها بكيفيّة الحال وصفة المحنة المهولة؛ فسجنوا، ودفن أبو مروان اليوم الثّاني من مصابه، ولم يتخلّف أحد عن جنازته ممّن سمع خبره، لاشتهار فضله فيهم، واجتماع صالح الخلال له من الفقه والحديث والرّواية والأدب والشّعر واللّغة والعربيّة، إلى دماثة الخليقة، واستقامة الطّريقة، والتزام الحقائق، واكتمال الإيمان، بقضائه لجميع فرائضه، وعوده في نافلة الحجّ بعد تأدية فرضه، على وهن بجسده، وتخلّف في ناضّه، رغبة في الاستكثار من الخير، والتّرقّي في المعرفة، وزيادة لمعاني العلم وطلبه ولقاء رجاله، فأكثر النّاس من تأبينه، وأخلصوا الدّعاء على قاتليه، واستبطأوا السّلطان في إنقاذ الحدّ عليهم بالشّبهة التي ظهرت، وأفتى الفقهاء بتطويل سجنهم بعد الضّرب المبرّح، وتوقّف ابن القطّان عن صدع الفتوى في القصّة إلّا بعد إنعام النّظر على عبد الرّحمن ابنه، والوقوف على جنس آفته: هل هي في جسمه دون عقله، أو في أحدهما أو كليهما، فيعمل بحسب ذلك، فإن كان مميّزاً عاقلاً فهو وليّ الدّم القائم بطلبه دون من تقدّم إلى ذلك من بني أخي المقتول وأبناء عمّه، وعندها تستقيم له الفتوى في طلبه، فخالفه صاحبه ابن عتاب، وألغى حقّ الغليم ابنه عبد الرّحمن، ونجم الخلاف وبان الإشكال، فأخذ ابن جهور برأي ابن عتاب، وانفصل الحفل عن الأخذ بالقسامة على المتّهمين ثلاثتهم، زيادة الله ابن القتيل وأمّه وأمّ ولده الأخرى، وسجن زيادة الشّر ابنه زماناً طويلاً، ثمّ سرّح فظلّ خاسئاً بين النّاس، يخال أنّه طليق وهو من شنآنهم ومقتهم في محابس موصدة، وطاح دم أبي مروان – رحمه الله – فلم يُقرع فيه أحد بضغث، ولا حبقت فيه عنز، وبلغت تركته قيمة وافرة في أثمان دفاتر، وأثاث فاخر، ومتاع رفيع، من كُسوة وفرش كثّر النّاس جملته، وأخذوا في مذمّته لسوء كان يدّعيه من القلّ، ويأخذ نفسه به من شظف المعيشة، وللغرائز المفطورة سلطان على النّفوس لا يغالب بصدق نظر ولا قوّة معرفة، ومن أدى حقّ الله في ماله فليس بشحيح في قتّر من إنفاقه؛ على أنّ المرء راع مسئول عمّن يقوته من أهله، حبانا الله بالتّوفيق، وأقامنا على وضح الطّريق، بمنّه»[7]

المصادر والمراجع

[1] ترجمته في: جمهرة أنساب العرب، ص 220 – مطمح الأنفس، ص 268- الصّلة، 2/36 – الذّخيرة، ½: ص 52 - جذوة المقتبس، ص 449-450 ترجمة رقم: 629.– بغية الملتمس، ص 492-493، ترجمة رقم: 1068 – بغية الوعاة، 2/109 – ترجمة رقم: 1566 – نفح الطّيب، 2/496 - معجم أعلام الجزائر، ص 202.

[2] ابن حزم، أبو محمّد علي بن أحمد، جمهرة أنساب العرب، تح: عبد السّلام محمّد هارون، دار المعارف،القاهرة، ط5، ص 220.

[3] ابن خاقان، الفتح بن محمّد الإشبيليّ، مطمح الأنفس ومسرح التّأنّس في ملح أهل الأندلس، تح: محمّد علي شوابكة، دار عمّار، مؤسّسة الرّسالة، بيروت، ط1، 1403هـ / 1983م، ص 268-269.

[4] جذوة المقتبس، ص 449-450 ترجمة رقم: 629.– بغية الملتمس، ص 492-493، ترجمة رقم: 1068.

[5] الحميديّ، جذوة المقتبس، 235.

[6] نفح الطّيب، 2/496 – الذّخيرة، ج1، ص 135.

[7] ابن بسّام، الذّخيرة، 1/536-540.

author-img

تاريخ الجزائر الثقافي وآدابها

تعليقات
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق
    الاسمبريد إلكترونيرسالة