JavaScript is not enabled!...Please enable javascript in your browser

جافا سكريبت غير ممكن! ... الرجاء تفعيل الجافا سكريبت في متصفحك.

شعر الفكّون وديوانه المفقود

 مساجلته مع السّوسي المغربيّ:



كان عبد الكريم الفكّون يتعاطى الشّعر، وقد وردت نماذج منه، سواء في (منشور الهداية) أو في (محدّد السّنان)، ولعلّها في المصدر الأخير أوفر حظًّا، من ذلك المساجلة التي جرت بين الفكّون ومحمّد السّوسيّ الفاسيّ، وقد ترجم الفكّون للسّوسي في منشور الهداية ضمن الفصل الثّاني، الذي خصّصه لمن تعاطى المنصب الشّرعيّ لادّعائه العلم، فقد ذكر أنّه: «انتمى إلى بعض المتشبّهين بزيّ الفقهاء من أهل العصر، فأشاد بذكره ونوّه به واجتمع عليه حاشيته وأصحابه للإقراء، وانتصب للتّدريس، ونسي ما طلب من القراءة وطلب الإفادة، وأبدى للنّاس أنّه صاحب علوم ولو انقرضت كلّ العلوم لأحياها وفرح بما لديه»[1]

وقد أورد الفكّون قصيدتين، تمثّلان المساجلة المذكورة بين الرّجلين في مؤلّفه الثّاني، حيث قام السّوسي المغربيّ بمدح الفكّون عندما أعاد بناء دار أسلافه، وتجيدها وإضفاء الجير عليها، كما مدح الدّار وغرفها بعد رؤية لونها الأبيض، وجاءت قصيدة السّوسي بعنوان: (بهجة التّكحيل في العين، ورونق الشّيب في مصوغ التّبر واللّجين)، وهي في سبع وعشرين بيتاً، منها قوله[2]:

أَلَا عُجْ إِلَى الْبَطْحَا[3] تَرَى الْبَرْقَ يُومِضُ     عَلَى دَارِ عِلْمٍ بِالْعُلُومِ تُنَضْنِضُ

أَعَارَتْ بَيَاضاً لِلْحَمَامِ وَجَرَّدَتْ          كَسَا الطُّوسِيِّ فِي نُقُوشٍ تُعْرَضُ

كَأَنَّ سُلَيْمَى مِنْ أَعَالِيهِ أَشْرَفَتْ              تَمُدُّ لَنَا كَفًّا خَضِيباً وَتَقْبِضُ

إِذَا مَا تَوَالَى وَمْضُهُ نَفَضَ الدُّجَا        لَهُ صِيغَةُ الْمُسْوَدِّ أَوْ كَادَ يَنْفُضُ

قِمَاطُ الْعُقُودِ فِي الرَّبِيعِ تَلَأْلَأَتْ           تُحَارِبُهَا كُلُّ الْعُيُونِ وَتَمْرَضُ

كَأَنَّ الثُّرَيَّا وَالْغُرُوبُ يَحُثُّهَا           عَلَى عَاتِقِ الْجَوْزَاءِ رَقْطٌ مُفَضَّضُ

فَدَارٌ عَلَتْ قَدْراً وَمَجْداً وَغَيْرُهَا      إِلًى قَدْرِهَا عُلُوًّا عُيُوناً تَغْمِضُ

وقد ردّ عليه الفكّون بقصيدة مثلها وزناً وقافيةً، سمّاها: (إزالة الكدر والشّين، بجواب التّكحيل في العين)، ويعني بالتّكحيل في العين قصيدة السّوسي المذكورة، وجاءت قصيدة الفكّون في ثلاثين بيتاً، مطلعها:

لَكَ الْحَمْدُ تُعْطِي مَنْ تَشَاءُ وَتَقْبِضُ      فَصَلِّ عَلَى مَنْ كَانَ لِلدِّينِ يَفْرِضُ

وَجَازِ إِلَاهِي نُخْبَةَ جَادَ عَصْرُهُ                   بِهِ وَبِمِثْلِ فَاضِلٍ مُتَقَبِّضُ

تَرَدَّى بِنِيلٍ وَاكْتَسَى ثَوْبَ فَخْرِهِ    لَهُ مِنْ قَرِيضِ الشِّعْرِ دِرْعٌ مُفَضْفَضُ

تَصَوَّغَهُ لَمَّا اسْتَذَلَّ صِعَابَهُ            كَرِيمٌ عَلَى فِعْلِ الْكِرَامِ يُحَضِّضُ

ويبدو من لغة القصيدة أنّها أجود من سابقتها، لأنّ قصيدة السّوسي تضمّنت الكثير من الأخطاء العروضيّة على عكس قصيدة الفكّون، التي أبانت عن قدرة صاحبها على التّصوير، رغم مسحتها التّشاؤميّة، ممّا آلت إليه أحوال أهله وأقاربه، فضلاً عن مرضه الذي لازمه فترة ليست بالقصيرة، والفكّون صريح في مشاعره تجاه النّاس، ولو كانوا من أقربائه، وهذا ما نلمسه في كتابه "منشور الهداية" الذي أراد من خلاله عرض النّفاق والدّجل، وادّعاء العلم والولاية من أناس لا تربطهم بهما صلة، كما عرض لبعض الثّورات وأحوال المتمرّدين والمتلصّصة والبرّانيّة.

قصيدته في أعيان قسنطينة

ولعل قصيدته التّالية في أعيان قسنطينة خير مثال على ما نقول[4]:

أَلَا فَاحْذَرْ أُنَاساً قَدْ تَبَرَّأْ         إِلَهُ الْعَرْشِ مِنْهُمْ وَالْمَلَائِكْ

وَأَبْعَدَهُمْ مِنَ الْخَيْرَاتِ كَلاً    وَأَصْلَاهُمْ جَحِيماً ذَاتَ حَالِكْ

هُمُ الْقَوْمُ الْأَرَاذِلُ قَدْ تَسَمَّوْا   بِجِنْسٍ فِي الْخَلِيقَةِ لَا يُشَارَكْ

وَقَالُوا نَحْنُ إِحْضَارٌ بِدَارٍ     نَعَمْ صَدَقُوا وَلَاكِنْ فِي الْمَهَالِكْ

وُجُوهُهُمُ إِذَا مَا قَدْ تَبَدَّتْ      فَمَا مِنْهَا إِلَيْكَ تَرَاهُ ضَاحِكْ

ومنها قوله[5]:

لَقَدْ جُلِبُوا عَلَى غشِّ الْبَرَايَا    كَمَا جُبِلَتْ يَهُودُ عَلَى الْأَفَائِكْ

وَسِيمَاهُمْ فُجُورٌ لَيْسَ يَبْدُو    مَدَى الْأَزْمَانِ إِلَّا مِنْ أُولَئِكْ

فَإِنْ لَمْ تَأْلُ جَهْدَكَ فِي وِدَادٍ   فَلَا يَأْلُوا بِجَهْدِ فِي عِتَابِكْ

وَإِنْ رَاعَيْتَ حَالَهُمُ بِخَيْرٍ    فَشَرُّ الشَّرِّ قَدْ رَاعُوا لِحَالِكْ

فَجَدُّهُمُ الْخَؤُونُ لِذَاكَ يُنْمِي    وَأَيْدِيهِمْ تُرَدِّدُ فِي خوَانِكْ

طَرِيقَ الشَّرْعِ قَدْ نَبَذُوا وَرَامُو     أُمُوراً قَدْ تَبَدَّتْ مِنْ هُنَالِكْ

والقصيدة في ستّ وعشرين بيتاً، كلّها ذمّ ونقد لأسلوب أدعياء العلم والتّصوّف، وهي بذلك قريبة في موضوعها ممّا أورده الفكّون في منشور الهداية، رغم أنّها ضمن كتاب محدّد السّنان في نحور إخوان الدّخان، وعلى العموم، فالشّاعر هنا لا يسكت أمام ما يراه من محارم تنتهك، ومظالم تقترف تحت غطاء العلم والولاية، لأنّ هؤلاء الأعيان قد استغلّوا ضعف التّحرّي لدى العامّة، وتظاهروا بعلم لا يملكونه، وولاية لا يستحقّونها، «فقد آخذهم على نقطتين بارزتين تعتبران مدار فلسفته في الإصلاح عندئذ، الأولى بيع ضمائرهم بقبول الرّشوة وخدمتهم المطلقة للولاة، وتضحيتهم بالعلم والأخلاق، والثّانية انحراف المرابطين بادّعائهم التّصوّف والولاية، واتّخاذهم الحضرة والوعدة، وأكلهم الحشيش، والاجتماع على الرّقص الصّوفيّ والغناء»[6] وهذا ما نلمسه في دعوى الفكّون عليهم في ختام القصيدة[7]:

وَقُلْ رَبِّي عَلَيْكَ بِهِمْ وَخُذْهُمْ     وَمَثْوَاهُمْ يَكُونُ بِدَارِ مَالِكْ

وَدَارهمُ إلَاهِي فَازَو عَنْهَا    صَلَاحاً وَأَغْمِسَنْهُمْ فِي بَلَائِكْ

وَخُذْ مِمَّنْ أَذَى وَتَعَدَّى   وَأُحْلُلْ فِيه بَلْوَى مِنْ سَمَائِكْ

وَمِنْ كُلِّ الْمَكَارِهِ لَا تَصُنْهُ     وَفِي الْعُقْبَى أَذِقْهُ مِنْ وَبَالِكْ

وَيَا قَهَّارُ فَاقْهَرْ مِنْهُ كَيْداً     أَخَبَّتْهُ الضُّلُوعُ وَلَا تُبَارِكْ

لَهُ عُمُراً وَسُؤْلِي لَا تُخِيبُ   بِمَا لَكَ مِنْ نَبيٍّ أَوْ مَلَائِكْ

ديوانه

لا شكّ أنّ الفكّون قد ترك ديواناً في المديح النّبويّ، لأنّه ذكر ذلك بنفسه، وكان سبب نظم تلك الأبيات السّبعمائة (حاصل ضرب 25 في 28 حرفاً) مرضه الذي ذكرنا، والذي بقي بقي ثلاث سنين (1025-1028)، ونحن نقول أبياتا، أو بالأحرى قصائد، لأنّ كلمة ديوان وردت لدى (العيّاشي فقط)، ومن المعلوم أنّ (الرّحلة العيّاشيّة مصدر هامّ من مصادر ترجمة الفكّون، لأنّه الوحيد الذي ذكر لنا أربع قصائد من الدّيوان المذكور، كما ذكر شيئا ممّا ورد في محدّد السّنان، من رأي الفكّون في الدّخان) «فقد نظم عدة قصائد في هذا المعنى، ورتبها على حروف الهجاء، مضمنا كل حرف من الحروف حروفا تقرأ من أول كل بيت في الحرف، فإذا جمعت يخرج منها: (اللهم اشفني بجاه محمد آمين). وهو الديوان الذي رآه العياشي المغربي، وأخبر أن الفكون قد كتب عليه ما يمدح به عند الغمة، وساعة الغياهب المدلهمة»[8]

أمّا وصف الفكّون للدّيوان في منشور الهداية فهي قوله: «فاتّخذت قصائد في مدحه على حروف الهجاء، متضمّناً كلّ حرف من الحروف حروفاً تُقرأ من أوّل بيت في الحرف وتجمع، فيخرج منها: اللّهمّ اشفني بجاه محمّد آمين. فربّما وجدت الرّاحة في بعضه بجاه سيّدنا رسول الله – صلّى الله عليه وسلّم تسليما-»[9]

والصّواب ما ذكره العيّاشي، لأنّه اطّلع على الدّيوان كاملا بقصائدة الثمانية والعشرين، غير أنّه لم يحفظ لنا في رحلته سوى الهمزية، والبائيّة، واللّاميّة واليائيّة، نقول الصّواب؛ لأنّ العبارة التي تتشكّل من أوائل حروف الأبيات في كلّ قصيدة من قصائد الفكّون هي: (إلهي بحقّ الممدوح اشفني آمين)، يقول العيّاشيّ: «والتزم أن جعل مبدأ كلّ شطر حرفاً من حروف: إلهي بحقّ الممدوح اشفني، آمين، وجملة ذلك خمس وعشرون حرفاً، ففي كلّ قصيدة مثلها أبيات، فلنذكر بعضها تبرّكاً»[10].

تجدر الإشارة أنّ ديوان الفكّون المذكور قد التزم فيه صاحبه – فضلاً عمّا سبق ذكره – بحر الطّويل، بدليل ما بين أيدينا من نماذج، يقول الفكّون 

في الهمزيّة[11]:

أبدراً بدت في الخافقين سعوده       ونوراً به الأكوان أضحت تلألأ

له في العلى أعلى العلى رتبة وفي    مراقي ذرى العرفان قدماً مبوّأ

أضاء وجود الكائنات ببعثه            وطلعته الغرّا من الشّمس أضوء

........................          ........................

أيا خير خلق الله أنهيت قصّتي      إليك فإنّ الجسم بالسّقم يرزأ

أنلني المنى من جود طولم أنّني        على ظمإ من منهل العذب أملأ

منادي الشّفا ممّا به الجسم مبتلى    تشفع فذو الآلام ينجو ويبرأ

وفي البائية[12]:

أحبّتنا كلّفت بحبّ من         له العزّ قدماً والرّسالة منصب

لدى نوره الأنوار تخبو وكيف لا     ومنه استمدّت والشّواهد تكتب

أيا سيّداً فاق النّبيئين كلّها       وبدر له فوق المراتب مرتب

............................     ............................

أيا مالك الأوصاف فقت الورى فما    به خصّك المولى من الذّكر أعجب

معالم دين قد سطرت به              وأنباء صدق والأماثل تقرب

ينادي عليل الجسم غوثاً ببابكم       فيشفى كما الأسقان عن ذاك تسلب

وفي اللّاميّة[13]   

أعينيّ جودا بالدّموع تأسّفا          لصبّ نحيل الجسم زايله عقل

لدا غصّني لفح من الحبّ فانتجت    محاسن وجه ذاب إذ بقي الشّكل

أذاعت شهود الوجد كامن دفقه    فأضحى المحيّا كاسفاً ضاء من قبل

............................      ............................

أتيت ذليلاً خائفاً بابك الذي          به أمن المذعور وانقشع المحل

محلك غوث والعليل به التجأ        تريح من الآلام كي يذهب الشّكل

يحنّ طبيب للمصاب وأنت لي      طبيب ومنك الطّبّ إذ ما بدا السّؤل

وفي اليائيّة[14]  

أيَا بَاهِرَ الْإِشْرَاقِ يَا غَايَةَ الْمُنَى      وَمَنْ حَازَ فِي تَشْرِيفِهِ الرُّتْبَةَ الْعُلْيَا

لِوَجْهِكَ يَا بَدْرَ الْكَمَالِ تَلَؤْلُؤٌ        وَغَيْثٌ بِهِ الْأَكْوَانُ إِذْ مَا بَدَا تَحْيَا

أَزَحْتَ ظَلَامَ الشِّرْكِ بِالطَّلْعَةِ التِي    أَضَاءَتْ كَمَا أَوْلَيْتَ مِنْ نُورِهَا هَدْيَا

هُدَاكَ صِرَاطٌ مُسْتَقيِمٌ مَنِ اقْتَفَى    مَرَاشِدَهُ اسْتَهْدَى وَقَدْ جَانَبَ الْغَيَّا

يُنْجِي مِنَ الْعَاهَاتِ مُعْتَصِماً بِهِ   وَقَدْ جَاءَ بِالْبُشْرَى كَمَا يَدْفَعُ الْخِزْيَا

بِهِ فَازَ مَنْ قَدْ فَازَ يَا خَيْرَ مُرْشِدٍ    لِذَا وَرِثَ الْفِرْدَوْسَ إِذْ وَرِثَ الْوَحْيَا

حَوَى كُلَّ عِلْمٍ سَابِقاً وَمُؤَخَّراً    وَأَهْدَى إِلَى مَنْ قَدْ يُنَاضِلُهُ الْعيَا

قَوَارِعُهُ مِنْ نَظْمِهِ قَدَّتِ الْحَشَا   فَمَا وَجَدُوا طَعْناً وَلَا أَظْهَرُوا أَلْيَا

أَيَا مَنْ سَمَا فَوْقَ السَّمَاوَاتِ وَالْعُلَا     وَجَاوَزَ كُلَّ الْحُجْبِ يَرْقَى إِلَى البُغْيَا

الهوامش والإحالات



[1] - الفكّون عبد الكريم، منشور الهداية، ص 73.

[2] - سعد الله، أبو القاسم، شيخ الإسلام، عبد الكريم الفكون، ص 216-217.

[3] - البطحاء هي الحومة التي كان بها الجامع الأعظم ودار آل الفكون.

[4] - سعد الله، أبو القاسم، شيخ الإسلام، عبد الكريم الفكون، 222.

[5] - المرحع نفسه، ص: 122-123.

[6] - تاريخ الجزائر الثقافي، 1/523.

[7] - المرحع نفسه، ص:224.

[8] - تاريخ الجزائر الثقافي، 2/141.

[9] - الفكّون عبد الكريم، مصدر سابق، ص 206. وقد جعل مع ديوانه المذكورة قصيدة (شافية الأمراض لمن التجأ إلى الله بلا اعتراض) أو (العدّة في عقب الفرج بعد الشّدّة) المذكورة سابقاً، ورداً.

[10] - العيّاشيّ، الرّحلة 2/515. سعد الله، شيخ الإسلام، عبد الكريم الفكون

[11] - العيّاشيّ، نفسه 2/515. سعد الله، المرجع نفسه، ص 207.

[12] - العيّاشيّ، نفسه 2/516. سعد الله، المرجع نفسه، ص 209.

[13] - العيّاشيّ، نفسه 2/518. سعد الله، المرجع نفسه، ص 212.

[14] - العيّاشيّ، نفسه 2/519. سعد الله، المرجع نفسه، ص 214.

author-img

تاريخ الجزائر الثقافي وآدابها

Comments
No comments
Post a Comment
    NameEmailMessage