JavaScript is not enabled!...Please enable javascript in your browser

جافا سكريبت غير ممكن! ... الرجاء تفعيل الجافا سكريبت في متصفحك.

الرسائل الديوانية في الدولة الموحدية

 مقدمة

نشأت دولة الموحّدين في القرن السّادس الهجريّ، على يد محمّد بن عبد الله بن وجليد بن يامصال المعروف بالمهديّ بن تومرت[1]، وسانده في ذلك رجلان من أصحاب العلم، وهما: محمّد بن عبد الله بن محسن الونشريسيّ[2] وعبد المؤمن بن عليّ التّاجريّ الكوميّ النّدروميّ[3]، وقد اجتمهد ابن تومرت في دراسة اللّغة والدّين في أوربّا والمشرق، وتبنّى حركة دينيّة تهدف في الأساس إلى إنشاء خلافة إسلاميّة ترجع بالأمّة الإسلاميّة إلى عهد الخلفاء الرّاشدين، والتّركيز على مبدأ التّوحيد الخالص، من هنا جاء اسم الدّولة الموحّديّة، واسم الأنصار.

جهود ابن تومرت

كما سعى ابن تومرت جاهداً لنشر هذه الحركة الدّينيّة، وأخذ يجهر بها في كلّ بلد يذهب إليه، مثل: مصر،  وتونس، وطرابلس، وقسنطينة، ومراكش، وتلمسان، وفاس، وقد أيّده  في دعوته كثير من الأتباع، ممّا مكّنه من قيادة ثورة كبيرة، استطاع من خلالها الدّعوة إلى الأصول الجامعة، والقضاء على الفروع، كما أنّه أسّس حكومته في المغرب، وأضفى عليها الصّبغة المهدويّة والتّأويل العقليّ، واستمرّ ابن تومرت يحشد الأنصار والمؤيّدين لدعوته، إلى أن حظي بمبايعة الأمّة المغربيّة له، لتولّي الحكم في عام 516هــ، وذلك بعد أن استطاع القضاء على دولة المرابطين، واستمرّ في الحكم إلى وفاته عام 524ه.

وقد استلم الحكم من بعده عبد المؤمن بن عليّ، الذي وسّع حدود حكمه؛ لتشمل المغرب الأقصى بأكمله عام 541ه، وأعلن بذلك نشوء دولة الموحّدين، كما وسّع حدود دولته، لتضمّ الأندلس، وخاض معركة الأرك ضدّ الإسبان، وقضى على حكم النّورمان، والمرابطين في مراكش وتونس، واستطاع بحنكته العسكريّة تكوين جيش قويّ بلغ تعداده نصف مليون مقاتل، وتولّى حكم الموحّدين بعده  خليفته أبو يعقوب بن يوسف المنصور[4]، الذي بلغت الدّولة في عهده عصرها الذّهبيّ، وأوجّ ازدهارها، حيث بنيت القلاع والمساجد والمارستانات، واستمرّ المنصور في حكمه إلى وفاته عام 595ه، واستلم الحكم محلّه ابنه محمّد النّاصر، غير أنّ الدّولة شهدت بداية سقوطها، بسبب الهزائم المتتالية، حيث وقعت تحت حكم بني مرين سنة 668ه.

وبقيام دولة الموحّدين كان لابدّ لها من تنظيم أمورها السّياسيّة والعسكريّة، حتّى تستطيع السّيطرة على الأوضاع المحيطة بها، وتوطّد أركان الحكم، لذلك سعى ابن عبد المؤمن إلى استقدام كتّاب لديوانه من مختلف حواضر المغربين الأوسط والأقصى، ليكونوا عوناً له على المراسلات بينه وبين السّلاطين والأمراء والرّعيّة والمتمرّدين وغيرهم، وقبل الحديث عن أولئك الكتّاب لابدّ من توطئة تاريخيّة حول نشأة الرّسائل الدّيوانيّة:  

كاتب الرسائل

يسمّى كاتب الرّسائل كاتب السّرّ، وهو يد الخليفة وكاتبه ومستودع أسراره، كما كان عمر لأبي بكر، وعثمان لعمر، وكان الخلفاء في أوّل عهد الإسلام لا يولّون هذا المنصب إلّا أقرباءهم أو خاصّتهم، لما فيه من الخطورة، وظلّوا على نحو ذلك إلى أيّام بني العبّاس، فكان كتّابهم في أوّل الأمر يستبدّون في الأمر دونهم، ثم صارت الكتابة إلى وزرائهم، ولم يكن الوزير يكتب الرّسائل أو الرّقاع بيده، ولكنّه يمضيها أي يوقّع عليها كما يفعل اليوم الوزراء والرّؤساء، وأوّل من وقّع على الرّقاع عندهم يحيى بن جعفر البرمكيّ[5]، لمّا أطلق الرّشيد يده في أمور الدّولة ومقاليدها، فصار إذا رفع أحد كتابًا في ظلامة أو طلب رزق أو نحو ذلك وقّع يحيى عليه بيده، وصار الوزراء بعده يوقّعون على الرّقاع أو القصص، وربما انفرد بعضهم في ولاية ديوان السّرّ أو ديوان الرّسائل أو الإنشاء.

وفي أخريات دولة بني العباس استقلّت الكتابة وعهد فيها إلى غير الوزراء، وكانوا ببغداد يقال لهم كتّاب الإنشاء، وكبيرهم يدعى رئيس ديوان الإنشاء أو صاحب ديوان الإنشاء أو كاتب السّرّ، وكلّ أمور هذا الدّيوان إلى الوزير، وكانوا يسمّونه أيضًا الدّيوان العزيز، وهو الذي يخاطبه الملوك في مكاتبات الخلفاء بما يشبه ديوان الرّياسة.

وذكر "إحسان عبّاس" أنّ لفظة الكاتب في الأندلس تطلق على طبقتين من النّاس: كتّاب الرّسائل وكتّاب الزّمام؛ أمّا كاتب الرّسائل فله حظّ في القلوب والعيون عند أهل الأندلس، وأشرف أسمائه الكاتب، وبهذه السّمة يخصّه من يعظّمه في رسالة ... وأما كاتب الزّمام فهو المسؤول عن الخراج[6] [7].

الهوامش والإحالات


[1] - محمّد بن تومرت المصموديّ البربريّ (485 – 524هـ / 1092- 1130م): هو محمّد بن عبد الله بن عبد الرّحمن بن هود بن خالد بن تمام، أو محمّد بن عبد الله بن وجليد بن يامصل بن حمزة، وينتهي نسبه إلى الحسن بن عليّ بن أبي طالب – رضي الله عنه – وهو صاحب دعوة السّلطان عبد المؤمن بن علي ملك المغرب، وواضع أسس الدولة المؤمنيّة الكوميّة، من قبيلة هرعة، من جبل السّوس بالمغرب، رحل إلى المشرق طالبا العلم سنة 500هـ، فانتهى إلى العراق، حجّ وأقام بمكّة زمناً، نزل بالمهديّة، وانتقل إلى بجاية، لكنّه أخرج منها إلى ملالة حيث التقى بابن عبد المؤمن القيسيّ، فاتّفق معه على الدّعوة إليه، واتّخذ أنصاراً رحل بهم إلى مراكش، وعبد المؤمن معه، حيث حضر مجلس على بن يوسف بن تاشفين وأنكر عليه بعض البدع ...( ترجمته في: وفيات الأعيان، 2/37 – الاستقصا، 1/199 – ابن خلدون، 6/225 – نظم الجمان لابن القطّان، 37 – الحلل الموشية، 75 -الأعلام، 6/228).

[2] - المكنى بالبشير، كان ممّن تهذّب وقرأ فقهاً، وكان جميلاً فصيحاً في لغة العرب وأهل المغرب، فقال له المهديّ: أرى أن تستر ما أنت عليه من العلم والفصاحة عن النّاس، وتظهر من العجز واللّكن والحصّر والتّعرّي عن الفضائل ما تشتهر به عند النّاس، لنتّخذ الخروج عن ذلك واكتساب العلم والفصاحة دفعة واحدة ليقوم ذلك مقام المعجزة عند حاجتنا إليه (وفيات الأعيان، 5/48).

[3] - تحمّل عبد المؤمن علي الكوميّ أعباء الدعوة عقب وفاة ابن تومرت، وكانت المسئولية جسيمة بعد الهزيمة المدوّية التي لحقت بالموحّدين، واستطاع في صبر وأناة أن يعيد تنظيم شئون دعوته ويجنّد أنصاراً جدداً، واستغرق منه ذلك نحو عام ونصف حتّى إذا آنس في نفسه قوةً وثقةً بدأ في الاستعداد لمناوشة المرابطين، وظلّ يناوشهم دون الدّخول في معارك حاسمة، واستمرّ هذا الوضع حتّى سنة (534هـ= 1130م)، وكان عبد المؤمن في أثناء هذه الفترة يعمل على زيادة نشر الدّعوة الموحّدية وجذب قبائل جديدة للدخول في طاعته وتوسيع رقعة دولته كلّما سمحت له الظّروف، وبخاصّة في الجهات الجنوبيّة والشرقيّة من المغرب.

[4] - أبو يعقوب يوسف بن عبد المؤمن (533هـ - 595هـ): سلطان المغرب والأندلس، وثاني سلاطين الموحّدين ولد في تينملل بالمغرب، وتولّى الحكم بعد وفاة أبيه، سنة 558هـ، واجه بعض الاعتراضات من إخوانه الأكبر منه سنًّا، كان عادلاً حازماً ديّنًا، خبيراً بشؤون الحكم، شديدًا على العصاة والمفسدين بعيد الهمّة، شديد الكرم والبذل والمواساة، كما كان من العلماء الأدباء، حافظاً للقرآن الكريم، من رواة الحديث المتقنين، حتّى أنّه كان يحفظ صحيح البخاريّ بسنده، ورغم أرومته البربريّة فقد كان شديد الفصاحة، يعلم أخبار العرب في الجاهليّة والإسلام (ترجمته في: العبر، 6/238 – وفيات الأعيان، 2/373 - الأعلام، 8/241 ...)

[5] - يقول الذّهبيّ: "كان يحيى بن خالد البرمكيّ كامل السؤدد، جليل المقدار، بحيث إن المهدي ضم إليه ولده الرشيد، فأحسن تربيته وأدبه، فلما أفضت الخلافة إلى الرشيد، ردّ إلى يحيى مقاليد الأمور ورفع محله، وكان يخاطبه يا أبي، فكان من أعظم الوزراء، ونشأ له أولاد صاروا ملوكا، ولا سيما جعفر، وما أدراك ما جعفر؟ له نبأ عجيب، وشأن غريب، بقي في الارتقاء في رتبة، شرك الخليفة في أمواله ولذاته وتصرفه في الممالك، ثم انقلب الدست في يوم، فقتل، وسجن أبوه وإخوته إلى الممات، فما أجهل من يغتر بالدنيا ! وقال الأصمعي: سمعت يحيى بن خالد يقول: الدنيا دول، والمال عارية، ولنا بمن قبلنا أسوة، وفينا لمن بعدنا عبرة .
قال إسحاق الموصلي: كانت صلة يحيى إذا ركب لمن سأله مائتي درهم ، أتيته، وقد شكوت إليه ضيقا، فقال : ما أصنع بك ؟ ما عندي شيء، ولكني قد جاءني خليفة صاحب مصر يسأل أن أستهدي صاحبه شيئا، فأبيت ، فألح ، وبلغني أن لك جارية بثلاثة آلاف دينار، فهو ذا أستهديه إياها ، فلا تنقصها من ثلاثين ألف دينار شيئا. قال: فما شعرت إلا والرجل قد أتى، فساومني بالجارية، فبذل عشرين ألفا، فلنت فبعتها. فلما أتيت يحيى ، عنفني، ثم قال: وهذا خليفة صاحب فارس قد جاءني فى نحو هذا، فخذ جاريتك مني، فإذا ساومك، لا تنقصها من خمسين ألف دينار. قال: فأتاني، فبعتها بثلاثين ألفا، فلما صرت إلى يحيى، قال: ألم نؤدبك؟ خذ جاريتك. قلت: قد أفدت بها خمسين ألف دينار، ثم تعود إلي هي حرة، وإني قد تزوجتها" (سير أعلام النّبلاء، 9/60).

[6] - يقول المقري: إن صاحب الأشغال الخراجية في الأندلس أعظم من الوزير، وأكثر أتباعا وأصحابا، وأجدى منفعة؛ فإليه تميل الأعناق، ونحوه تمد الأكف، والأعمال مضبوطة بالشهود والنظار، ومع هذا، إن تأثلت حالته، واغتر بكثرة البناء والاكتساب، نكب وصودر، وهذا راجع إلى تقلب الأحوال، وكيفية السلطان .النفح، ج1 ت: إحسان عباس، دار صادر، ص 217.

[7] - عباس إحسان، تاريخ الأدب الأندلسي، عصر سيادة قرطبة. دار الثقافة، بيروت، لبنان، ط2 ،1969، ص 325.

author-img

تاريخ الجزائر الثقافي وآدابها

تعليقات
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق
    الاسمبريد إلكترونيرسالة